صفحة جزء
مسألة قال قوم : لا يعتد بإجماع غير الصحابة ، وسنبطله وقال قوم : يعتد بإجماع التابعين بعد الصحابة ، ولكن لا يعتد بخلاف التابعي في زمان الصحابة ولا يندفع إجماع الصحابة بخلافه . وهذا فاسد مهما بلغ التابعي رتبة الاجتهاد قبل تمام الإجماع لأنه من الأمة ، فإجماع غيره لا يكون إجماع جميع الأمة ، بل إجماع البعض والحجة في إجماع الكل نعم لو أجمعوا ثم بلغ رتبة الاجتهاد بعد إجماعهم فهو مسبوق بالإجماع فليس له الآن أن يخالف ، كمن أسلم بعد تمام الإجماع .

ويدل عليه قوله تعالى { وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله } وهذا مختلف فيه ، ويدل عليه إجماع الصحابة على تسويغ الخلاف للتابعي وعدم إنكارهم عليه ، فهو إجماع منهم على جواز الخلاف ، كيف وقد علم أن كثيرا من أصحاب عبد الله كعلقمة والأسود وغيرهما كانوا يفتون في عصر الصحابة وكذا الحسن البصري وسعيد بن المسيب ؟ فكيف لا يعتد بخلافهم ؟ وعلى الجملة فلا يفضل الصحابي التابعي إلا بفضيلة الصحبة ، ولو كانت هذه الفضيلة تخصص الإجماع لسقط قول الأنصار بقول المهاجرين وقول المهاجرين بقول العشرة وقول العشرة بقول الخلفاء الأربعة وقولهم بقول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما . فإن قيل : روي عن عائشة رضي الله عنها أنها أنكرت على أبي سلمة بن عبد الرحمن مجاراة الصحابة ، وقالت : فروج يصقع مع الديكة . قلنا : ما ذكرناه مقطوع به ولم يثبت عن عائشة ما ذكرتم إلا بقول الآحاد ، وإن ثبت فهو مذهبها ولا حجة فيه .

ثم لعلها أرادت منعه من مخالفتهم فيما سبق إجماعهم عليه ، أو لعلها أنكرت عليه خلافه في مسألة لا تحتمل الاجتهاد في اعتقادها كما أنكرت على زيد بن أرقم في مسألة العينة وظنت أن وجوب حسم الذريعة قطعي . واعلم أن هذه المسألة يتصور الخلاف فيها مع من يوافق على أن إجماع الصحابة يندفع بمخالفة واحد من الصحابة ، أما من ذهب إلى أنه لا يندفع خلاف الأكثر بالأقل كيفما كان فلا يختص كلامه بالتابعي .

التالي السابق


الخدمات العلمية