مسألة : قال بعض الأصوليين 
كل تأويل يرفع النص أو شيئا منه فهو باطل   . 
ومثاله تأويل 
 nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة  في مسألة الأبدال حيث قال عليه الصلاة والسلام : { 
nindex.php?page=hadith&LINKID=25001في أربعين شاة شاة   } فقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة    : الشاة غير واجبة ، وإنما الواجب مقدار قيمتها من أي مال كان ، قال : فهذا باطل ; لأن اللفظ نص في وجوب شاة ، وهذا رفع وجوب الشاة فيكون رفعا للنص ، فإن قوله : { 
وآتوا الزكاة   } للإيجاب ، وقوله عليه السلام : { 
nindex.php?page=hadith&LINKID=25001في أربعين شاة شاة   } بيان للواجب ، وإسقاط وجوب الشاة رفع للنص ; وهذا غير مرضي عندنا ، فإن وجوب الشاة إنما يسقط بتجويز الترك مطلقا ، فأما إذا لم يجز تركها إلا ببدل يقوم مقامها فلا تخرج الشاة عن كونها واجبة ، فإن من أدى خصلة من خصال الكفارة المخير فيها فقد أدى واجبها ، وإن كان الوجوب يتأدى بخصلة أخرى فهذا توسيع للوجوب ، واللفظ نص في أصل الوجوب لا في تعيينه وتصنيفه ، ولعله ظاهر في التعيين محتمل للتوسيع والتخيير ، وهو كقوله : { 
nindex.php?page=hadith&LINKID=42753وليستنج بثلاثة أحجار   } فإن إقامة المدر مقامه لا يبطل وجوب الاستنجاء ، لكن الحجر يجوز أن يتعين ويجوز أن يتخير بينه وبين ما في معناه . 
نعم إنما ينكر 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  هذا التأويل لا من حيث إنه نص لا يحتمل لكن من وجهين : 
أحدهما : أن دليل الخصم أن المقصود سد الخلة ، ومسلم أن سد الخلة مقصود ، لكن غير مسلم أنه كل المقصود ، فلعله قصد مع ذلك التعبد بإشراك الفقير في جنس مال الغني ، فالجمع بين الظاهر وبين التعبد ، ومقصود سد الخلة أغلب على الظن في العبادات ; لأن العبادات مبناها على الاحتياط من تجريد النظر إلى مجرد سد الخلة . 
الثاني : أن التعليل بسد الخلة مستنبط من قوله : { 
nindex.php?page=hadith&LINKID=25001في أربعين شاة شاة   } هو استنباط يعود على أصل النص بالإبطال أو على الظاهر بالرفع وظاهر وجوب الشاة على التعيين ; فإبراز معنى لا يوافق الحكم السابق إلى الفهم من اللفظ لا معنى له ; لأن العلة ما يوافق الحكم ، والحكم لا  
[ ص: 199 ] معنى له إلا ما يدل عليه ظاهر اللفظ وظاهر اللفظ يدل على تعيين الشاة ، وهذا التعليل يدفع هذا الظاهر . 
وهذا أيضا عندنا في محل الاجتهاد ، فإن معنى سد الخلة ما يسبق إلى الفهم من إيجاب الزكاة للفقراء ، وتعيين الشاة يحتمل أن يكون للتعبد كما ذكر 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  رحمه الله ويحتمل أن لا يكون متعينا لكن الباعث على تعيينه شيئان : 
أحدهما : أنه الأيسر على الملاك والأسهل في العبادات كما عين ذكر الحجر في الاستنجاء ; لأنه أكثر في تلك البلاد وأسهل ، وكما يقول المفتي لمن وجبت عليه كفارة اليمين : تصدق بعشرة أمداد من البر ; لأنه يرى ذلك أسهل عليه من العتق ويعلم من عادته أنه لو خير بينهما لاختار الإطعام على الإعتاق ليسره فيكون ذلك باعثا على تخصيصه بالذكر . 
والثاني : أن الشاة معيار لمقدار الواجب فلا بد من ذكرها ; إذ القيمة تعرف بها ، وهي تعرف بنفسها فهي أصل على التحقيق ، ولو فسر النبي عليه الصلاة والسلام كلامه بذلك لم يكن متناقضا ولكان حكما بأن البدل يجري في الزكاة . فهذا كله في محل الاجتهاد ، إنما تشمئز عنه طباع من لم يأنس بتوسع 
العرب  في الكلام وظن اللفظ نصا في كل ما يسبق إلى الفهم منه ، فليس يبطل 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  رحمه الله هذا لانتفاء الاحتمال لكن لقصور الدليل الذي يعضده ولإمكان كون التعبد مقصودا مع سد الخلة ; ولأنه ذكر الشاة في خمس من الإبل وليس من جنسه حتى يكون للتسهيل . ثم في الجبران ردد بين شاة وعشرة دراهم ولم يردهم إلى قيمة الشاة ، وفي خمس من الإبل لم يردد ، فهذه قرائن تدل على التعبد ، والباب باب التعبد والاحتياط فيه أولى .