صفحة جزء
مسألة ورود العام على سبب خاص لا يسقط دعوى العموم

ورود العام على سبب خاص لا يسقط دعوى العموم ،

كقوله : صلى الله عليه وسلم حيث مر بشاة ميمونة { أيما إهاب دبغ فقد طهر } وقال قوم : يسقط عمومه ، وهو خطأ ، نعم يصير احتمال التخصيص أقرب ، ويقنع فيه بدليل أخف ، وأضعف ، وقد يعرف بقرينة اختصاصه بالواقعة كما إذا قيل كلم فلانا في واقعة ، فقال : والله لا أكلمه أبدا فإنه يفهم بالقرينة أنه يريد ترك الكلام في تلك الواقعة لا على الإطلاق .

والدليل على بقاء العموم أن الحجة في لفظ الشارع لا في السؤال ، والسبب ولذلك يجوز أن يكون الجواب معدولا عن سنن السؤال حتى لو قال السائل : أيحل شرب الماء ، وأكل الطعام والاصطياد ؟ فيقول : الأكل واجب ، والشرب مندوب ، والصيد حرام فيجب اتباع هذه الأحكام ، وإن كان فيه حظر ، ووجوب ، والسؤال وقع عن الإباحة فقط ; وكيف ينكر هذا ، وأكثر أصول الشرع خرجت على أسباب كقوله تعالى : { ، والسارق والسارقة } في سرقة المجن أو رداء صفوان ، ونزلت آية الظهار في سلمة بن صخر ، وآية اللعان في هلال بن أمية وكل ذلك على العموم . وشبه المخالفين ثلاث :

الأولى : أنه لو لم يكن للسبب تأثير ، والنظر إلى اللفظ خاصة فينبغي أن يجوز إخراج السبب بحكم التخصيص عن عموم المسميات كما لو لم يرد على سبب قلنا : لا خلاف في أن كلامه بيان للواقعة ، لكن الكلام في أنه بيان له خاصة أو له ولغيره ، واللفظ يعمه ، ويعم غيره ، وتناوله له مقطوع به ، وتناوله لغيره ظاهر ، فلا يجوز أن يسأل عن شيء فيجيب عن غيره نعم يجوز أن يجيب عنه ، وعن غيره ، ويجوز أيضا أن يجيب عن غيره بما ينبه على محل السؤال ، كما { قال لعمر : أرأيت لو تمضمضت } وقد سأله عن القبلة وقال للخثعمية : { أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيتيه } .

الشبهة الثانية : أنه لو لم يكن للسبب مدخل لما نقله الراوي ، إذ لا فائدة فيه . قلنا : فائدته معرفة أسباب التنزيل ، والسير ، والقصص ، واتساع علم الشريعة ، وأيضا امتناع إخراج السبب بحكم التخصيص بالاجتهاد ; ولذلك غلط أبو حنيفة رحمه الله في إخراج الأمة المستفرشة من قوله : { الولد للفراش } والخبر إنما ورد في وليدة زمعة إذ قال عبد بن زمعة هو أخي ، وابن وليدة أبي ولد على فراشه ، فقال عليه السلام : { الولد للفراش وللعاهر الحجر } فأثبت للأمة فراشا ، ، وأبو حنيفة لم يبلغه السبب فأخرج الأمة من العموم .

الشبهة الثالثة : أنه لولا أن المراد بيان السبب لما أخر البيان إلى وقوع الواقعة ، فإن الغرض إذا كان تمهيد قاعدة عامة فلم أخرها إلى وقوع واقعة ؟ قلنا : ولم قلتم لا فائدة في تأخيره ، والله تعالى أعلم بفائدته ؟ ولم طلبتم لأفعال الله فائدة ؟ بل لله تعالى أن ينشئ التكليف في أي وقت شاء ، ولا يسأل عما يفعل . ثم نقول : لعله علم أن تأخيره إلى الواقعة لطف ، ومصلحة للعباد داعية إلى الانقياد ، ولا يحصل ذلك بالتقديم ، والتأخير . ثم نقول : يلزم لهذه العلة اختصاص الرجم بماعز ، والظهار ، واللعان وقطع السرقة بالأشخاص الذين ورد فيهم ; لأن الله تعالى أخر البيان إلى وقوع وقائعهم ، وذلك خلاف الإجماع . [ ص: 237 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية