مسألة 
المخاطبة شفاها لا يمكن دعوى العموم فيها بالإضافة إلى جميع الحاضرين ، فإذا قال لجميع نسائه الحاضرات : " طلقتكن " ولجميع عبيده " أعتقتكم " فإنما يكون مخاطبا من جملتهم من أقبل عليه بوجهه وقصد خطابه ، وذلك يعرف بصورته ، وشمائله ، والتفاته ، ونظره ، فقد يحضره جماعة من الغلمان من البالغين ، والصبيان فيقول " اركبوا معي " ويريد به أهل الركوب منهم دون من ليس أهلا له ، فلا يتناول خطابه إلا من قصده ، ولا يعرف قصده إلا بلفظه أو شمائله الظاهرة فلا يمكن دعوى العموم فيها ، فنقول على هذا كل حكم يدل بصيغة المخاطبة كقوله تعالى : { 
يا أيها الذين آمنوا   } ، و { 
يا أيها الناس   } فهو خطاب مع الموجودين في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإثباته في حق من يحدث بعده بدليل زائد دال على أن كل حكم ثبت في زمانه فهو دائم إلى يوم القيامة على كل مكلف ، ولولاه لم يقتض مجرد اللفظ ذلك ، ولما ثبت ذلك أفاد مثل هذه الألفاظ فائدة العموم لاقتران الدليل الآخر بها لا بمجرد الخطاب فإن قيل : فإذا كان الخطاب خاصا مع شخص مشافهة أو مع جمع فهل يدل على العموم مثل قوله تعالى : { 
وما أرسلناك إلا كافة للناس   } وقوله : عليه السلام : { 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1240بعثت إلى الناس كافة ، وبعثت إلى الأحمر ، والأسود   } وقوله : { 
حكمي على الواحد حكمي على الجماعة   } . 
وقوله تعالى : { 
واتقون يا أولي الألباب   } ، و { 
يا أيها الناس   } ، وأمثاله ؟ 
قلنا    : لا ، بل عرف الصحابة عموم الحكم الثابت في عصره للأعصار وكلها بقرائن كثيرة ، وعرفنا ذلك من الصحابة ضرورة ، ومجرد هذه الألفاظ ليست قاطعة فإنه ، وإن كان مبعوثا إلى الكافة فلا يلزم تساويهم في الأحكام ، فهو مبعوث إلى الحر ، والعبد ، والحائض ، والطاهر ، والمريض ، والصحيح ليعرفهم أحكامهم المختلفة وكذلك قوله تعالى : { 
لأنذركم به ومن بلغ   } أي : ينذر كل قوم بل كل شخص بحكمه فيكون شرعه عاما وقوله : حكمي على الواحد حكمي على الجماعة لا يتناول إلا عصره ، فإن الجماعة عبارة عن الموجودين فلا يتناول من بعده . فإن قيل فهل يدل على عموم الحكم أنه كان إذا أراد التخصيص خصص وقال { 
تجزئ عنك ، ولا تجزئ عن أحد بعدك   } ، وحلل الحرير 
 nindex.php?page=showalam&ids=38لعبد الرحمن بن عوف  خاصة ؟ 
قلنا    : لا ، لأنه ذكره حيث قدم عموما أو حيث توهم أنهم يلحقون غيره به للتعبد بالقياس وكذلك قوله تعالى : { 
خالصة لك من دون المؤمنين   } لا يدل على أن الخطاب معه خطاب مع الأمة لمثل ما ذكرناه .