صفحة جزء
الركن الثاني للقياس : وله خمسة شروط

الشرط الأول : أن تكون علة الأصل موجودة في الفرع ، فإن تعدى الحكم فرعا تعدى العلة فإن كان وجودها في الفرع غير مقطوع به لكنه مظنون صح الحكم وقال قوم : لا يجوز ذلك ; لأن مشاركته للأصل في العلة لم تعلم ، وإنما المعلوم بالقياس أن الحكم يتبع العلة ، ولا يقتصر على المحل ، أما إذا وقع الشك في العلة فلا يلحق وهذا ضعيف ; لأنه إذا ثبت أن النجاسة هي علة بطلان البيع في جلد الميتة قسنا عليه الكلب إذا ثبت عندنا نجاسة الكلب بدليل مظنون ، وكذلك قد يكون علة الكفارة العصيان ويدرك تحقيقه في بعض الصور بدليل ظني فإذا ثبت التحق بالأصل ، وكذلك الماء الكثير إذا تغير بالنجاسة فطرح فيه التراب ، فإن كان التراب سائرا كالزعفران لم تزل النجاسة وإن كان مبطلا كهبوب الريح وطول المدة زالت النجاسة ، وربما يعرف ذلك بدليل ظني ، فالظن كالعلم في هذه الأبواب .

الثاني : أن لا يتقدم الفرع في الثبوت على الأصل ، ومثاله : قياس الوضوء على التيمم في النية ، والتيمم متأخر ، وهذا فيه نظر ; لأنه إذا كان بطريق الدلالة فالدليل يجوز أن يتأخر عن المدلول ، فإن حدوث العالم دل على الصانع القديم ، وإن كان بطريق التعليل فلا يستقيم ; لأن الحكم يحدث بحدوث العلة فكيف يتأخر عن المعلول ؟ لكن يمكن العدول إلى طريق الاستدلال ، فإن إثبات الشرع الحكم في التيمم على وفق العلة يشهد لكونه ملحوظا بعين [ ص: 328 ] الاعتبار ، وإن كان للعلة دليل آخر سوى التيمم فلا يكون التيمم وحده دليلا لعلة الوضوء السابق .

الثالث : أن لا يفارق حكم الفرع حكم الأصل في جنسية ولا في زيادة ولا نقصان ، فإن القياس عبارة عن تعدية حكم من محل إلى محل فكيف يختلف بالتعدية ؟ وليس من شكل القياس قول القائل بلغ رأس المال أقصى مراتب الأعيان فليبلغ المسلم فيه أقصى مراتب الديون قياسا لأحد العوضين على الآخر ; لأن هذا إلحاق فرع بأصل في إثبات خلاف حكمه .

الرابع : أن يكون الحكم في الفرع مما ثبتت جملته بالنص وإن لم يثبت تفصيله ، وهذا ذكره أبو هاشم وقال : لولا أن الشرع ورد بميراث الجد جملة لما نظرت الصحابة في توريث الجد مع الإخوة .

وهذا فاسد ; لأنهم قاسوا قوله : أنت علي حرام على الظهار والطلاق واليمين ، ولم يكن قد ورد فيه حكم لا على العموم ولا على الخصوص ، بل الحكم إذا ثبت في الأصل بعلة تعدى بتعدي العلة كيفما كان .

الخامس : أن لا يكون الفرع منصوصا عليه ، فإنه إنما يطلب الحكم بقياس أصل آخر فيما لا نص فيه ، فإن قيل : فلم قستم كفارة الظهار على كفارة القتل في الرقبة المؤمنة والظهار أيضا منصوص عليه ، واسم الرقبة يشمل الكافرة ؟ قلنا : اسم الرقبة ليس نصا في إجزاء الكافرة لكنه ظاهر فيه كما في المعيبة ، وعلة اشتراط الإيمان في كفارة القتل عرفنا تخصيص عموم آية الظهار فخرج عن أن يكون إجزاء الكافرة منصوصا عليه فطلبنا حكمه بالقياس لذلك

التالي السابق


الخدمات العلمية