صفحة جزء
مسألة ذهب الجاحظ إلى أن مخالف ملة الإسلام من اليهود والنصارى والدهرية

إن كان معاندا على خلاف اعتقاده فهو آثم ، وإن نظر فعجز عن درك الحق فهو معذور غير آثم ، وإن لم ينظر من حيث لم يعرف وجوب النظر فهو أيضا معذور . وإنما الآثم المعذب هو المعاند فقط ; لأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها وهؤلاء قد عجزوا عن درك الحق ولزموا عقائدهم خوفا من الله تعالى إذ استد عليهم طريق المعرفة .

وهذا الذي ذكره ليس بمحال عقلا لو ورد الشرع به وهو جائز ، ولو ورد التعبد كذلك لوقع ولكن الواقع خلاف هذا فهو باطل بأدلة سمعية ضرورية ، فإنا كما نعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة والزكاة ضرورة فيعلم أيضا ضرورة أنه أمر اليهود والنصارى بالإيمان به واتباعه وذمهم على إصرارهم على عقائدهم ، ولذلك قاتل جميعهم وكان يكشف عن مؤتزر من بلغ منهم ويقتله ويعلم قطعا أن المعاند العارف مما يقل ، وإنما الأكثر المقلدة الذين اعتقدوا دين آبائهم تقليدا ولم يعرفوا معجزة الرسول عليه السلام وصدقه .

والآيات الدالة في القرآن على هذا لا تحصى ، كقوله تعالى : { ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار } وقوله تعالى : { وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم } وقوله تعالى : { إن هم إلا يظنون } وقوله { ويحسبون أنهم على شيء } وقوله تعالى : { في قلوبهم مرض } أي : شك وعلى الجملة ذم الله تعالى والرسول عليه السلام المكذبين من الكفار مما لا ينحصر في الكتاب والسنة .

وأما قوله : كيف يكلفهم ما لا يطيقون ؟ قلنا : نعلم ضرورة أنه كلفهم ، أما أنهم يطيقون أو لا يطيقون فلننظر فيه ; بل نبه الله تعالى على أنه أقدرهم عليه بما رزقهم من العقل ونصب من الأدلة وبعث من الرسل المؤيدين بالمعجزات الذين نبهوا العقول وحركوا دواعي النظر حتى لم يبق على الله لأحد حجة بعد الرسل

التالي السابق


الخدمات العلمية