صفحة جزء
مسألة اختلفوا في أن ما لا يتم الواجب إلا به هل يوصف بالوجوب

اختلفوا في أن ما لا يتم الواجب إلا به هل يوصف بالوجوب ؟

والتحقيق في هذا أن هذا ينقسم إلى ما ليس إلى المكلف كالقدرة على الفعل وكاليد في الكتابة وكالرجل في المشي ، فهذا لا يوصف بالوجوب بل عدمه يمنع الإيجاب إلا على مذهب من يجوز تكليف ما لا يطاق ، وكذلك تكليف حضور الإمام الجمعة وحضور تمام العدد فإنه ليس إليه فلا يوصف بالوجوب بل يسقط بتعذره الواجب . وأما ما يتعلق باختيار العبد فينقسم إلى الشرط الشرعي وإلى الحسي ، فالشرعي كالطهارة في الصلاة يجب وصفها بالوجوب عند وجوب الصلاة ، فإن إيجاب الصلاة إيجاب لما يصير به الفعل صلاة .

وأما الحسي فكالسعي إلى الجمعة وكالمشي إلى الحج وإلى مواضع المناسك ، فينبغي أن يوصف أيضا بالوجوب إذ أمر البعيد عن البيت بالحج أمر بالمشي إليه لا محالة ، وكذلك إذا وجب غسل الوجه ولم يمكن إلا بغسل جزء من الرأس ، وإذا وجب الصوم ولم يمكن إلا بالإمساك جزءا من الليل قبل الصبح فيوصف ذلك بالوجوب . ونقول : ما لا يتوصل إلى الواجب إلا به وهو فعل المكلف فهو واجب .

وهذا أولى من أن نقول يجب التوصل إلى الواجب بما ليس بواجب ، إذ قولنا : " يجب فعل ما ليس بواجب " متناقض ، وقولنا : " ما ليس بواجب صار واجبا " غير متناقض فإنه واجب ; لكن الأصل وجب بالإيجاب قصدا إليه ، والوسيلة وجبت بواسطة وجوب المقصود وقد وجب كيفما كان وإن كان علة وجوبه غير علة وجوب المقصود فإن قيل : لو كان واجبا [ ص: 58 ] لكان مقدرا ، فما المقدار الذي يجب غسله من الرأس وإمساكه من الليل ؟ قلنا : قد وجب التوصل به إلى الواجب وهو غير مقدر ، بل يجب مسح الرأس ويكفي أقل ما ينطلق عليه الاسم وهو غير مقدر ، فكذلك الواجب أقل ما يمكن به غسل الوجه .

وهذا التقدير كاف في الوجوب . فإن قيل لو كان واجبا لكان يثاب على فعله ويعاقب على تركه ، وتارك الوضوء لا يعاقب على ما تركه من غسل الرأس بل من غسل الوجه ، وتارك الصوم لا يعاقب على ترك الإمساك ليلا . قلنا : ومن أنبأكم بذلك ؟ ومن أين عرفتم أن ثواب البعيد عن البيت لا يزيد على ثواب القريب في الحج ، وأن من زاد عمله لا يزيد ثوابه وإن كان بطريق التوصل ؟ وأما العقاب فهو عقاب على ترك الصوم والوضوء وليس يتوزع على أجزاء الفعل ، فلا معنى لإضافته إلى التفاصيل .

فإن قيل : لو قدر على الاقتصار على غسل الوجه لم يعاقب ، قلنا : هذا مسلم ; لأنه إنما يجب على العاجز أما القادر فلا وجوب عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية