صفحة جزء
فصل :

[ فتاوى في الطيرة وفي الفأل وفي الاستصلاح ] { وسئل صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فقال : عذابا كان يبعثه الله على من كان قبلكم ، فجعله الله رحمة للمؤمنين ، ما من عبد يكون في بلد ويكون فيه فيمكث لا يخرج صابرا محتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر شهيد } ذكره البخاري .

{ وسأله صلى الله عليه وسلم فروة بن مسيك رضي الله عنه ، فقال : يا رسول الله إنا بأرض يقال لها أبين ، وهي ريفنا وميرتنا ، وهي وبئة ، أو قال : وباها شديد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعها عنك ، فإن من القرف التلف } .

وفيه دليل على نوع شريف من أنواع الطب ; وهو استصلاح التربة والهواء كما ينبغي استصلاح الماء ، والغذاء ، فإن بصلاح هذه الأربعة يكون صلاح البدن واعتداله .

وقال صلى الله عليه وسلم : { لا طيرة ، وخيرها الفأل قيل : يا رسول الله وما الفأل ؟ قال : الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم } متفق عليه .

وفي لفظ لهما { لا عدوى ولا طيرة ، ويعجبني الفأل قالوا : وما الفأل ؟ قال : كلمة طيبة } .

[ ص: 302 ] ولما قال : { لا عدوى ولا طيرة ولا هامة قال له رجل : أرأيت البعير يكون به الجرب فتجرب الإبل ، قال : ذاك القدر ، فمن أجرب الأول ؟ } ، ذكره أحمد .

ولا حجة في هذا لمن أنكر الأسباب ، بل فيه إثبات القدر ، ورد الأسباب كلها إلى الفاعل الأول ; إذ لو كان كل سبب مستندا إلى سبب قبله لا إلى غاية لزم التسلسل في الأسباب ، وهو ممتنع ; فقطع النبي صلى الله عليه وسلم التسلسل بقوله : " فمن أعدى الأول " إذ لو كان الأول قد جرب بالعدوى والذي قبله كذلك لا إلى غاية لزم التسلسل الممتنع .

{ وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة ، فقالت : يا رسول الله ، دار سكناها والعدد كثير والمال وافر ، فقل العدد وذهب المال ، فقال : دعوها ذميمة } ذكره مالك مرسلا .

وهذا موافق لقوله صلى الله عليه وسلم { إن كان الشؤم في شيء فهو في ثلاثة : في الفرس ، وفي الدار ، والمرأة } وهو إثبات لنوع خفي من الأسباب ، ولا يطلع عليه أكثر الناس ، ولا يعلم إلا بعد وقوع مسببه ; فإن من الأسباب ما يعلم سببيته قبل وقوع مسببه وهي الأسباب الظاهرة ، ومنها ما لا يعلم سببيته إلا بعد وقوع مسببه وهي الأسباب الخفية ، ومنه قول الناس " فلان مشئوم الطلعة ، ومدور الكعب " ونحوه ; فالنبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى هذا النوع ، ولم يبطله ، وقوله : { إن كان الشؤم في شيء فهو في ثلاثة } تحقيق لحصول الشؤم فيها ، وليس نفيا لحصوله من غيرها ، كقوله : { إن كان في شيء تتداوون به شفاء ففي شرطه محجم ، أو شربة عسل ، أو لذعة بنار ، ولا أحب الكي } ذكره البخاري .

وقال : { من ردته الطيرة من حاجته فقد أشرك قالوا : يا رسول الله وما كفارة ذلك ؟ قال : أن يقول : اللهم لا طير إلا طيرك ، ولا خير إلا خيرك } ذكره أحمد .

التالي السابق


الخدمات العلمية