صفحة جزء
فصل [ طهارة الخمر بالاستحالة على وفق القياس ]

وعلى هذا الأصل فطهارة الخمر بالاستحالة على وفق القياس ، فإنها نجسة لوصف الخبث ، فإذا زال الموجب زال الموجب ، وهذا أصل الشريعة في مصادرها ومواردها بل وأصل الثواب والعقاب ، وعلى هذا فالقياس الصحيح تعدية ذلك إلى سائر النجاسات إذا استحالت ، وقد { نبش النبي صلى الله عليه وسلم قبور المشركين من موضع مسجده ، ولم ينقل التراب } وقد أخبر الله - سبحانه - عن اللبن أنه يخرج من بين فرث ودم ، وقد أجمع المسلمون على أن الدابة إذا علفت بالنجاسة ثم حبست وعلفت بالطاهرات حل لبنها ولحمها ، وكذلك الزرع [ ص: 298 ] والثمار إذا سقيت بالماء النجس ثم سقيت بالطاهر حلت لاستحالة وصف الخبث وتبدله بالطيب ، وعكس هذا أن الطيب إذا استحال خبيثا صار نجسا كالماء والطعام إذا استحال بولا وعذرة ، فكيف أثرت الاستحالة في انقلاب الطيب خبيثا ولم تؤثر في انقلاب الخبيث طيبا ؟

والله - تعالى - يخرج الطيب من الخبيث والخبيث من الطيب ، ولا عبرة بالأصل ، بل بوصف الشيء في نفسه ، ومن الممتنع بقاء حكم الخبث وقد زال اسمه ووصفه ، والحكم تابع للاسم والوصف دائر معه وجودا وعدما ، فالنصوص المتناولة لتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير والخمر لا تتناول الزروع والثمار والرماد والملح والتراب والخل لا لفظا ولا معنى ولا نصا ولا قياسا .

والمفرقون بين استحالة الخمر وغيرها قالوا : الخمر نجست بالاستحالة فطهرت بالاستحالة ، فيقال لهم : وهكذا الدم والبول والعذرة إنما نجست بالاستحالة فتطهر بالاستحالة ، فظهر أن القياس مع النصوص وأن مخالفة القياس في الأقوال التي تخالف النصوص .

التالي السابق


الخدمات العلمية