صفحة جزء
[ السنة مع القرآن على ثلاثة أوجه ]

والسنة مع القرآن على ثلاثة أوجه ; أحدها : أن تكون موافقة له من كل وجه ; فيكون توارد القرآن والسنة على الحكم الواحد من باب توارد الأدلة وتظافرها . الثاني : أن تكون بيانا لما أريد بالقرآن وتفسيرا له . الثالث : أن تكون موجبة لحكم سكت القرآن عن إيجابه أو محرمة لما سكت عن تحريمه ، ولا تخرج عن هذه الأقسام ، فلا تعارض القرآن بوجه ما ، فما كان منها زائدا على القرآن فهو تشريع مبتدأ من النبي صلى الله عليه وسلم : تجب طاعته فيه ، ولا تحل معصيته ، وليس هذا تقديما لها على كتاب الله ، بل امتثال لما أمر الله به من طاعة رسوله ، ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطاع في هذا القسم لم يكن لطاعته معنى ، وسقطت طاعته المختصة به ، وإنه إذا لم تجب طاعته إلا فيما وافق القرآن لا فيما زاد عليه لم يكن له طاعة خاصة تختص به ، وقد قال الله تعالى : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } وكيف يمكن أحدا من أهل العلم أن لا يقبل حديثا زائدا على كتاب الله ; فلا يقبل حديث تحريم المرأة على عمتها ولا على خالتها ، ولا حديث التحريم بالرضاعة لكل ما يحرم من النسب ، ولا حديث خيار الشرط ، ولا أحاديث الشفعة ، ولا حديث الرهن في الحضر مع أنه زائد على ما في القرآن ، ولا حديث ميراث الجدة ، ولا حديث تخيير الأمة إذا أعتقت تحت زوجها ، ولا حديث منع الحائض من الصوم والصلاة ، ولا حديث وجوب الكفارة على من جامع في نهار رمضان ، ولا أحاديث إحداد المتوفى عنها زوجها مع زيادتها على ما في القرآن من العدة ، فهلا قلتم : إنها نسخ للقرآن وهو لا ينسخ بالسنة ، وكيف أوجبتم الوتر مع أنه زيادة محضة على القرآن بخبر مختلف فيه ؟ وكيف زدتم على كتاب الله فجوزتم الوضوء [ ص: 221 ] بنبيذ التمر بخبر ضعيف ؟ وكيف زدتم على كتاب الله فشرطتم في الصداق أن يكون أقله عشرة دراهم بخبر لا يصلح ألبتة وهو زيادة محضة على القرآن ؟ .

وقد أخذ الناس بحديث : { لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم } وهو زائد على القرآن ، وأخذوا كلهم بحديث توريثه صلى الله عليه وسلم بنت الابن السدس مع البنت وهو زائد على ما في القرآن ، وأخذ الناس كلهم بحديث استبراء المسبية بحيضة ، وهو زائد على ما في كتاب الله ، وأخذوا بحديث : { من قتل قتيلا فله سلبه } وهو زائد على ما في القرآن من قسمة الغنائم ، وأخذوا كلهم بقضائه صلى الله عليه وسلم الزائد على ما في القرآن من أن أعيان بني الأبوين يتوارثون دون بني العلات ، الرجل يرث أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه ، ولو تتبعنا هذا لطال جدا ; فسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل في صدورنا وأعظم وأفرض علينا أن لا نقبلها إذا كانت زائدة على ما في القرآن ، بل على الرأس والعينين ، وكذلك فرض على الأمة الأخذ بحديث القضاء بالشاهد واليمين وإن كان زائدا على ما في القرآن ، وقد أخذ به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمهور التابعين والأئمة ، والعجب ممن يرده ; لأنه زائد على ما في كتاب الله ثم يقضي بالنكول ومعاقد القمط ووجوه الآجر في الحائط وليست في كتاب الله ولا سنة رسوله ، وأخذتم أنتم وجمهور الأمة بحديث : { لا يقاد الوالد بالولد } مع ضعفه وهو زائد على ما في القرآن ، وأخذتم أنتم والناس بحديث أخذ الجزية من المجوس وهو زائد على ما في القرآن ، وأخذتم مع سائر الناس بقطع رجل السارق في المرة الثانية مع زيادته على ما في القرآن ، وأخذتم أنتم والناس بحديث النهي عن الاقتصاص من الجرح قبل الاندمال وهو زائد على ما في القرآن ، وأخذت الأمة بأحاديث الحضانة وليست في القرآن ، وأخذتم أنتم والجمهور باعتداد المتوفى عنها في منزلها وهو زائد على ما في القرآن ، وأخذتم مع الناس بأحاديث البلوغ بالسن والإنبات وهي زائدة على ما في القرآن ; إذ ليس فيه إلا الاحتلام ، وأخذتم مع الناس بحديث : { الخراج بالضمان } مع ضعفه ، وهو زائد على ما في القرآن ، وبحديث النهي عن بيع الكالئ بالكالئ وهو زائد على ما في القرآن ، وأضعاف أضعاف ما ذكرنا ، بل أحكام السنة التي ليست في القرآن إن لم تكن أكثر منها لم تنقص عنها ; فلو ساغ لنا رد كل سنة زائدة كانت على نص القرآن لبطلت سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها إلا سنة دل عليها القرآن ، وهذا هو الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيقع ولا بد من وقوع خبره .

التالي السابق


الخدمات العلمية