صفحة جزء
[ من أسلم وتحته أختان ]

المثال التاسع والثلاثون : رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة فيمن أسلم وتحته أختان أن يخير في إمساك من شاء منهما وترك الأخرى ، بأنه خلاف الأصول ، وقالوا : قياس الأصول يقتضي أنه إن نكح واحدة ، بعد واحدة فنكاح الثانية هو المردود ، ونكاح الأولى هو الصحيح من غير تخيير ، وإن نكحهما معا فنكاحهما باطل ، ولا تخيير ، وكذلك حديث من أسلم على عشر نسوة ، وربما أولوا التخيير بتخييره في ابتداء العقد على من شاء من المنكوحات .

ولفظ الحديث يأبى هذا التأويل أشد الإباء ; فإنه قال : { أمسك أربعا وفارق سائرهن } رواه معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن غيلان أسلم فذكره .

قال مسلم : هكذا روى معمر هذا الحديث بالبصرة ، فإن رواه عنه ثقة خارج البصريين حكمنا له بالصحة أو قال : صار الحديث صحيحا وإلا فالإرسال أولى .

قال البيهقي : فوجدنا سفيان بن سعيد الثوري وعبد الرحمن بن محمد المحاربي وعيسى بن يونس - وثلاثتهم كوفيون - حدثوا به عن معمر متصلا ، وهكذا روي عن يحيى بن أبي كثير وهو يماني وعن الفضل بن موسى وهو خراساني عن معمر متصلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فصح الحديث بذلك . وقد روي عن أيوب السختياني عن نافع وسالم عن ابن عمر متصلا .

قال أبو علي الحافظ : تفرد به سوار بن محيشر عن أيوب ، وسوار بصري ثقة ، قال الحاكم : رواة هذا الحديث كلهم ثقات تقوم الحجة بروايتهم

. وقد روى أبو داود عن فيروز الديلمي قال : { قلت : يا رسول الله إني أسلمت وتحتي أختان ، قال : طلق أيتهما شئت } .

فهذان الحديثان هما الأصول التي نرد ما خالفها من القياس ، أما أن نقعد قاعدا ونقول هذا هو الأصل ثم نرد السنة لأجل مخالفة تلك القاعد فلعمر الله لهدم ألف قاعدة لم يؤصلها الله ورسوله أفرض علينا من رد حديث واحد ، وهذه القاعدة معلومة البطلان من الدين ; فإن أنكحة الكفار لم يتعرض لها النبي صلى الله عليه وسلم كيف وقعت وهل صادفت الشروط المعتبرة في الإسلام فتصح أم لم تصادفها فتبطل ، وإنما اعتبر حالها وقت إسلام الزوج ; فإن كان ممن يجوز له المقام مع امرأته [ ص: 253 ] أقرهما .

ولو كان في الجاهلي قد وقع على غير شرطه من الولي والشهود وغير ذلك ، وإن لم يكن الآن ممن يجوز له الاستمرار لم يقر عليه كما لو أسلم وتحته ذات رحم محرم أو أختان أو أكثر من أربع ; فهذا هو الأصل الذي أصلته سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما خالفه فلا يلتفت إليه ، والله الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية