صفحة جزء
[ صفة صلاة الكسوف ] : المثال الخمسون : رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في صفة صلاة الكسوف وتكرار الركوع في كل ركعة كحديث عائشة وابن عباس وجابر وأبي بن كعب وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي موسى الأشعري ، كلهم روى عن النبي صلى الله عليه وسلم تكرار الركوع في الركعة الواحدة ، فردت هذه السنن المحكمة بالمتشابه من حديث عبد الرحمن بن سمرة قال : { كنت يوما أرمي بأسهم وأنا بالمدينة ، فانكسفت الشمس ، فجمعت أسهمي وقلت : لأنظرن ماذا أحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم في كسوف الشمس ; فكنت خلف ظهره فجعل يسبح ويكبر ويدعو حتى حسر عنها فصلى ركعتين وقرأ بسورتين } رواه مسلم في صحيحه .

وفي صحيح البخاري عن أبي بكرة قال : { انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين } ، وهذا لا يناقض رواية من روى أنه ركع في كل ركعة ركوعين فهي ركعتان وتعدد ركوعهما كما يسميان سجدتين مع تعدد سجودهما ، كما قال ابن عمر : حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجدتين قبل الظهر وسجدتين بعدها ، وكثيرا ما يجيء في السنن إطلاق [ ص: 266 ] السجدتين على الركعتين ; فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يصدق بعضها بعضا ، لا سيما والذين رووا تكرار الركوع أكثر عددا وأجل وأخص برسول الله صلى الله عليه وسلم من الذين لم يذكروه .

فإن قيل : ففي حديث أبي بكرة { فصلى ركعتين نحوا مما تصلون } وهذا صريح في إفراد الركوع . قيل : هذا الحديث رواه شعبة عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أبي بكرة دون الزيادة المذكورة ، وهو الذي رواه البخاري في صحيحه ، وزاد إسماعيل بن علية هذه الزيادة ; فإن رجحنا بالحفظ والإتقان فشعبة شعبة . وإن قبلنا الزيادة فرواية من زاد في كل ركعة ركوعا آخر زائدة على رواية من روى ركوعا واحدا فتكون أولى . فإن قيل : فما تصنعون بالسنة المحكمة الصريحة من رواية سمرة بن جندب والنعمان بن بشير وعبد الله بن عمرو أنه صلاها ركعتين كل ركعة بركوع واحد ، وبحديث قبيصة الهلالي عنه صلى الله عليه وسلم { وإذا رأيتم ذلك فصلوها كإحدى صلاة صليتموها من المكتوبة } ؟ وهذه الأحاديث في المسند وسنن النسائي وغيرهما . قيل : الجواب من ثلاثة أوجه ; أحدها : أن أحاديث تكرار الركوع أصح إسنادا وأسلم من العلة والاضطراب ، لا سيما حديث عبد الله بن عمرو ; فإن الذي في الصحيحين عنه أنه قال : { كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنودي أن الصلاة جامعة ، فركع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين في سجدة ثم قام فركع ركعتين في سجدة ، ثم جلس حتى جلي عن الشمس } . فهذا أصح وأصرح من حديث كل ركعة بركوع ; فلم يبق إلا حديث سمرة بن جندب والنعمان بن بشير ، وليس منهما شيء في الصحيح . الثاني : أن رواتها من الصحابة أكبر وأكثر وأحفظ وأجل من سمرة والنعمان بن بشير ; فلا ترد روايتهم بها ، الثالث : أنها متضمنة لزيادة فيجب الأخذ بها ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية