صفحة جزء
[ العرف يجري مجرى النطق ] . وقد جرى العرف مجرى النطق في أكثر من مائة موضع منها نقد البلد في المعاملات ، وتقديم الطعام إلى الضيف ، وجواز تناول اليسير مما يسقط من الناس من مأكول وغيره ، والشرب من خوابي السيل ومصانعه في الطرق ، ودخول الحمام وإن لم يعقد [ ص: 298 ] عقد الإجارة مع الحمامي لفظا ، وضرب الدابة المستأجرة إذا حرنت في السير وإيداعها في الخان إذا قدم بلدة أو ذهب في حاجة ، ودفع الوديعة إلى من جرت العادة بدفعها إليه من امرأة أو خادم أو ولد ، وتوكيل الوكيل لما لا يباشره مثله بنفسه ، وجواز التخلي في دار من أذن له بالدخول إلى داره والشرب من مائه والاتكاء على الوسادة المنصوبة ، وأكل الثمرة الساقطة من الغصن الذي على الطريق ، وإذن المستأجر للدار لمن شاء من أصحابه أو أضيافه في الدخول والمبيت والثوى عنده والانتفاع بالدار وإن لم يتضمنهم عقد الإجارة لفظا اعتمادا على الإذن العرفي ، وغسل القميص الذي استأجره للبس مدة يحتاج فيها إلى الغسل ، ولو وكل غائبا أو حاضرا في بيع شيء والعرف قبض ثمنه ملك ذلك ، ولو اجتاز بحرث غيره في الطريق ودعته الحاجة إلى التخلي فيه فله ذلك إن لم يجد موضعا سواه إما لضيق الطريق أو لتتابع المارين فيها ، فكيف بالصلاة فيه والتيمم بترابه ؟ ومنها لو رأى شاة غيره تموت فذبحها حفظا لماليتها عليه كان ذلك أولى من تركها تذهب ضياعا ، وإن كان من جامدي الفقهاء من يمنع من ذلك ويقول : هذا تصرف في ملك الغير ، ولم يعلم هذا اليابس أن التصرف في ملك الغير إنما حرمه الله لما فيه من الإضرار به وترك التصرف ها هنا هو الإضرار .

ومنها لو استأجر غلاما فوقعت الأكلة في طرفه فتيقن أنه إن لم يقطعه سرت إلى نفسه فمات جاز له قطعه ولا ضمان عليه .

ومنها لو رأى السيل يمر بدار جاره فبادر ونقب حائطه وأخرج متاعه فحفظه عليه جاز ذلك ، ولم يضمن نقب الحائط ومنها لو قصد العدو مال جاره فصالحه ببعضه دفعا عن بقيته جاز له ، ولم يضمن ما دفعه إليه . ومنها لو وقعت النار في دار جاره فهدم جانبا منها على النار لئلا تسري إلى بقيتها لم يضمن . ومنها لو باعه صبرة عظيمة أو حطبا أو حجارة ونحو ذلك جاز له أن يدخل ملكه من الدواب والرجال ما ينقلها به ، وإن لم يأذن له في ذلك لفظا . ومنها لو جذ ثماره أو حصد زرعه ثم بقي من ذلك ما يرغب عنه عادة جاز لغيره التقاطه وأخذه ، وإن لم يأذن فيه لفظا . ومنها لو وجد هديا مشعرا منحورا ليس عنده أحد جاز له أن يقتطع منه ويأكل منه .

ومنها لو أتى إلى دار رجل جاز له طرق حلقة الباب عليه ، وإن كان تصرف في باب لم يأذن له فيه لفظا .

ومنها الاستناد إلى جداره والاستظلال به . ومنها الاستمداد من محبرته ، وقد أنكر الإمام أحمد على من استأذنه في ذلك .

وهذا أكثر من أن يحصر ، وعليه يخرج حديث عروة بن الجعد البارقي حيث { أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم دينارا يشتري له به شاة ، فاشترى شاتين بدينار ، فباع إحداهما بدينار ، وجاءه [ ص: 299 ] بالدينار والشاة الأخرى ، } فباع وأقبض وقبض بغير إذن لفظي اعتمادا منه على الإذن العرفي الذي هو أقوى من اللفظي في أكثر المواضع ، ولا إشكال بحمد الله في هذا الحديث بوجه ما ، وإنما الإشكال في استشكاله ; فإنه جار على محض القواعد كما عرفته .

التالي السابق


الخدمات العلمية