صفحة جزء
[ ص: 271 ] حيلة في التخلص من طلاق امرأته ]

المثال الثالث عشر : إذا قال الرجل لامرأته : " الطلاق يلزمني لا تقولين لي شيئا إلا قلت لك مثله " فقالت له : أنت طالق ثلاثا .

فالحيلة في التخلص من أن يقول لها مثل ذلك أن يقول لها : قلت لي : أنت طالق ثلاثا .

قال أصحاب الشافعي : وفي هذه الحيلة نظر لا يخفى ; لأنه لم يقل لها مثل ما قالت له ، وإنما حكى كلامها من غير أن يقول لها نظيره . ولو أن رجلا سب رجلا فقال له المسبوب : " أنت قلت لي كذا وكذا " لم يكن قد رد عليه عند أحد ، لا لغة ولا عرفا ; فهذه الحيلة ليست بشيء .

وقالت طائفة أخرى : الحيلة أن يقول لها : " أنت طالق ثلاثا " - بفتح التاء - فلا تطلق ، وهذا نظير ما قالت له سواء ، وهذه وإن كانت أقرب من الأولى ; فإن المفهوم المتعارف لغة وعقلا وعرفا من الرد على المرأة أن يخاطبها خطاب المؤنث ، فإذا خاطبها خطاب المذكر لم يكن ذلك ردا ولا جوابا ، ولو فرض أنه رد لم يمنع وقوع الطلاق بالمواجهة وإن فتح التاء ، كأنه قال : أيها الشخص أو الإنسان .

وقالت طائفة أخرى : الحيلة في ذلك أن يقول : أنت طالق ثلاثا إن شاء الله ، أو إن كلمت السلطان ، أو إن سافرت ، ونحو ذلك ; فيكون قد قال لها نظير ما قالت ، ولا يضره زيادة الشرط ، وهذه الحيلة أقرب من التي قبلها ، ولكن في كون المتكلم بها رادا أو مجيبا نظر لا يخفى ; لأن الشرط وإن تضمن زيادة في الكلام لكنه يخرجه عن كونه نظيرا لكلامها ، ومثلا له ، وهو إنما حلف أن يقول لها مثل ما قالت له ، والجملة الشرطية ليست مثل الجملة الخبرية ، بل الشرط يدخل على الكلام التام فيصيره ناقصا يحتاج إلى الجواب ، ويدخل على الخبر فيقلبه إنشاء ، ويغير صورة الجملة الخبرية ومعناها ، ولو قال رجل لغيره : " لعنك الله " ، فقال له : " لعنك الله إن بدلت دينك أو ارتددت عن الإسلام " لم يكن سابا له .

ولو قال له : " يا زان " فقال : " بل أنت زان إن وطئت فرجا حراما " لم يكن الثاني قاذفا له . ولو بذلت له مالا على أن يطلقها ، فقال : أنت طالق إن كلمت السلطان ، لم يستحق المال ، ولم يكن مطلقا .

وقالت طائفة أخرى : لا حاجة إلى شيء من ذلك ، والحالف لم تدخل هذه الصورة في عموم كلامه ، وإن دخلت فهي من المخصوص بالعرف والعادة والعقل ; فإنه لم يرد هذه الصورة قطعا ، ولا خطرت بباله ، ولا تناولها لفظه ; فإنه إنما تناول لفظه القول الذي يصح [ ص: 272 ] أن يقال له ، وقولها : " أنت طالق ثلاثا " ليس من القول الذي يصح أن يواجه به ; فهو لغو محض وباطل ، وهو بمنزلة قولها " أنت امرأتي " وبمنزلة قول الأمة لسيدها : " أنت أمتي وجاريتي " ونحو هذا من الكلام اللغو الذي لم يدخل تحت لفظ الحالف ولا إرادته ، أما عدم دخوله تحت إرادته فلا إشكال فيه ، وأما عدم تناول لفظه له ; فإن اللفظ العام إنما يكون عاما فيما يصلح له وفيما سيق لأجله .

وهذا أقوى من جميع ما تقدم ، وغايته تخصيص العام بالعرف والعادة ، وهذا أقرب لغة وعرفا وعقلا وشرعا من جعل ما تقدم مطابقا ومماثلا لكلامها مثله ، فتأمله ، والله الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية