صفحة جزء
فصل . ( شهادة مستور الحال ) .

وقوله : " فإن الله تبارك وتعالى تولى من العباد السرائر وستر عليهم الحدود إلا بالبينات " يريد بذلك أن من ظهرت لنا منه علانية خير قبلنا شهادته ووكلنا سريرته إلى الله سبحانه فإن الله سبحانه لم يجعل أحكام الدنيا على السرائر ، بل على الظواهر ، والسرائر تبع لها ، وأما أحكام الآخرة فعلى السرائر ، والظواهر تبع لها .

وقد احتج بعض أهل العراق بقول عمر هذا على قبول شهادة كل مسلم لم تظهر منه ريبة وإن كان مجهول الحال ; فإنه قال : " والمسلمون عدول بعضهم على بعض " ثم قال : " فإن الله تعالى تولى من عباده السرائر ، وستر عليهم الحدود " ولا يدل كلامه على هذا المذهب ، بل قد روى أبو عبيد ثنا الحجاج عن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن قال : قال عمر بن الخطاب : لا يوسر أحد في الإسلام بشهداء السوء ; فإنا لا نقبل إلا العدول وثنا إسحاق بن علي عن مالك بن أنس عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : والله لا يوسرن رجل في الإسلام بغير العدول وثنا إسماعيل بن إبراهيم عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي فراس أن عمر بن الخطاب قال في خطبته : من أظهر لنا خيرا ظننا به خيرا وأحببناه عليه ، ومن أظهر لنا شرا ظننا به شرا وأبغضناه عليه .

وقوله : " وستر عليهم الحدود " يعني المحارم ، وهي حدود الله التي نهى عن قربانها ، والحد يراد به الذنب تارة والعقوبة أخرى .

وقوله : " إلا بالبينات والأيمان " يريد بالبينات الأدلة والشواهد ، فإنه قد صح عنه الحد في الزنا بالحبل ، فهو بينة صادقة ، بل هو أصدق من الشهود ، وكذلك رائحة الخمر بينة على شربها عند الصحابة وفقهاء أهل المدينة وأكثر فقهاء الحديث [ ص: 101 ]

فصل .

وقوله : " والأيمان " يريد بها أيمان الزوج في اللعان ، وأيمان أولياء القتيل في القسامة ، وهي قائمة مقام البينة

التالي السابق


الخدمات العلمية