صفحة جزء
[ حيل في الشفعة ]

المثال الثالث والخمسون : إذا اشترى دارا أو أرضا وقد وقعت الحدود وصرفت الطرق بينه وبين جاره فلا شفعة فيها ، وإن كانت الحدود لم تقع ولم تصرف الطرق بل طريقها واحدة ففيها الشفعة ، هذا أصح الأقوال في شفعة الجوار ، وهو مذهب أهل البصرة ، وأحد الوجهين في مذهب الإمام أحمد ، واختاره شيخ الإسلام وغيره ، فإن خاف المشتري أن يرفعه الجار إلى حاكم يرى الشفعة وإن صرفت الطرق فله التحيل على إبطالها بضروب من الحيل ; أحدها : أن يشتريها منه بألف دينار ويكاتبه على ذلك ، ثم يعطيه عوض كل دينار درهمين أو نحو ذلك ، وثانيها : أن يهب منه الدار والأرض ثم يهبه ثمنها ، وثالثها : أن يقول المشتري للشفيع إن شئت بعتكها بما اشتريتها به أو بأقل من ذلك أو أصبر عليك بالثمن ، فيجيبه إلى ذلك فتسقط شفعته ، ورابعها : أن يتصادق البائع والمشتري على شرط أو صفة تفسد البيع كأجل مجهول أو خيار مجهول أو إكراه أو تلجئة ونحو ذلك ، ثم يقرها البائع في يد المشتري ، ولا يكون للشفيع سبيل عليها ، وخامسها : أن يشترط الخيار مدة [ ص: 295 ] طويلة ، فإن صح لم يكن له أن يأخذ قبل انقضائه ، وإن بطل لم يكن له أن يأخذ ببيع فاسد ، وسادسها : أن يهب له تسعة أعشار الدار أو الأرض ، ويبيعه العشر الباقي بجميع الثمن ، وسابعها : أن يوكل الشفيع في بيع داره أو أرضه ، فيقبل الوكالة فيبيع ، أو يوكله المشتري في الشراء له ، وثامنها : أن يزن له الثمن الذي اتفقا عليه سرا ثم يجعله صبرة غير معلومة ويبيعه الدار بها ، وتاسعها : أن يقر البائع بسهم من ألف سهم للمشتري فيصير شريكه ثم يبيعه باقي الدار ، فلا يجد جاره إليها سبيلا ; لأن حق الشريك مقدم على حق الجار .

وعاشرها : أن يتصدق عليه ببيت من الدار ، ثم يبيعه باقيها بجميع الثمن ، فيصير شريكا ، فلا شفعة لجاره ، وحادي عشرها : أن يأمر غريبا أو مسافرا بشرائها ، فإذا فعل دفعها إليه ثم وكله بحفظها ، ثم يشهد على الدفع إليه وتوكيله حتى لا يخاصمه الشفيع ، وثاني عشرها : أن يجيء المشتري إلى الجار قبل البيع فيشتري منه داره ويرغبه في الثمن أضعاف ما تساوي ، ويشترط الخيار لنفسه ثلاثة أيام ، ثم في مدة الخيار يمضي ويشتري تلك الدار التي يريد شراءها ، فإذا تم العقد بينهما فسخ البيع الأول ، ولا يستحق جاره عليه شفعة ; لأنه حين البيع لم يكن جارا ، وإنما طرأ له الجوار بعد البيع ، وثالث عشرها : أن يؤجر المشتري لبائع الدار عبده أو ثوبه شهرا بسهم من الدار ، فيصير شريكه ، ثم بعد يومين أو ثلاثة يشتري منه بقيتها ; فلا يكون لجاره عليه سبيل ، ورابع عشرها : أن يشتريها بثمن مؤجل أضعاف ما تساوي ، فإن الجار لا يأخذها بذلك الثمن ، فإذا رغب عنها صالحه من ذلك الثمن على ما يساويه حالا من غير جنسه .

[ رد شبهة واردة على جواز ذلك ]

فإن قيل : فأنتم قد بالغتم من الإنكار على من احتال ببعض هذه الوجوه على إسقاط الشفعة ، وذكرتم تلك الآثار ، فنكيل لكم بالكيل الذي كلتم به لنا .

قلنا : لا سواء نحن وأنتم في ذلك ; فإنا ذكرنا هذه الوجوه تحيلا على [ إبطال ] ما أبطله رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : { فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة } فلما أبطل الشفعة تحيلنا على تنفيذ حكمه وأمره بكل طريق ; فكنا في هذه الحيل منفذين لأمره ، وأما أنتم فأبطلتم بها ما أثبته بحكمه وقضائه بالشفعة فيما لم يقسم ، وأنه لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه ، فإذا حرم عليه البيع قبل استئذانه فما الظن بالتحيل على إسقاط شفعته ؟ فتوصلتم أنتم بهذه الحيل إلى إسقاط ما أثبته ، وتوصلنا نحن بها إلى إسقاط ما أسقطه وأبطله ، فأي الفريقين أحق بالصواب ، وأتبع لمقصود الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ والله المستعان

.

التالي السابق


الخدمات العلمية