صفحة جزء
[ وصية المريض الذي لا وارث له بجميع ماله في البر ]

المثال السابع بعد المائة : إذا أراد المريض الذي لا وارث له أن يوصي بجميع أمواله في أبواب البر ، فهل له ذلك ؟ على قولين : أصحهما : أنه يملك ذلك ; لأنه إنما منعه الشارع [ ص: 32 ] ما زاد على الثلث وكان له ورثة ، فمن لا وارث له لا يعترض عليه فيما صنع في ماله ، فإن خاف أن يبطل ذلك حاكم لا يراه فالحيلة له أن يقر لإنسان يثق بدينه ، وأمانته بدين يحيط بماله كله ، ثم يوصيه إذا أخذ ذلك المال أن يضعه في الجهات التي يريد ، فإن خاف المقر له أن يلزم بيمين باستحقاقه لما أقر له به المريض اشترى منه المريض عرضا من العروض بماله كله ، ويسلم العرض فإذا حلف المقر له حلف بارا ، فإن خاف المريض أن يصح فيأخذه البائع بثمن العرض فالحيلة أن يشتريه بشرط الخيار سنة ، فإن مات بطل الخيار ، وإن عاش فسخ العقد ، فإن كان المال أرضا أو عقارا أو أراد أن يوقفه جميعه على قوم يستغلونه ، ولا يمكن إبطاله فالحيلة أن يقر أن واقفا وقف ذلك جميعه عليه ، ومن بعده على الجهات التي يعينها ، ويشهد على إقراره بأن هذا العقار في يده على جهة الوقف من واقف كان ذلك العقار ملكا له إلى حين الوقف ، أو يقر بأن واقفا معينا وقفه على تلك الجهات ، وجعله ناظرا عليه ، فهو في يده على هذا الوجه .

وكذلك الحيلة إذا كان له بنت أو أم أو وارث بالفرض لا يستغرق ماله ، ولا عصبة له ، ويريد أن لا يتعرض له السلطان فله أنواع من المخارج : منها : أن يبيع الوارث تلك الأعيان ، ويقر بقبض الثمن منه ، وإن أمكنه أن يشهد على قبضه بأن يحضر الوارث مالا يقبضه إياه ، ثم يعيده إليه سرا ، فهو أولى ، ومنها : أن يشتري المريض من الوارث سلعة بمقدار التركة من الثمن ويشهد على الشراء ، ثم يعيد إليه تلك السلعة ، ويرهنه المال كله على الثمن ، فإذا أراد السلطان مشاركته قال : وفوني حقي ، وخذوا ما فضل .

ومنها : أن يبيع ذلك لأجنبي يثق به ، ويقر بقبض الثمن منه ، أو يقبضه بحضرة الشهود ، ثم يأذن للأجنبي في تمليكه للوارث أو وقفه عليه ، ومنها : أن يقر لأجنبي يثق به بما يريد ، ثم يأمره بدفع ذلك إلى الوارث .

ولكن في هذه الحيل ، وأمثالها أمران مخوفان : أحدهما : أنه قد يصح فيحال بينه وبين ماله ، والثاني : أن الأجنبي قد يدعي ذلك لنفسه ، ولا يسلمه إلى الوارث ، فلا خلاص من ذلك إلا بوجه واحد ، وهو أن يأخذ إقرار الأجنبي ، ويشهد عليه في مكتوب ثان أنه متى ادعى لنفسه أو لمن يخاف أن يواطئه على المريض أو وارثه هذا المال أو شيئا منه أو حقا من حقوقه كانت دعواه باطلة .

وإن أقام به بينة فهي بينة زور ، وأنه لا حق له قبل فلان بن فلان ، ولا وارثه بوجه ما ، ويمسك الكتاب عنده ، فيأمن هو والوارث ادعاء ذلك لنفسه ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية