صفحة جزء
[ ص: 97 ] فصل :

وأما قولهم " إن الثناء على من اتبعهم كلهم " فنقول : الآية اقتضت الثناء على من يتبع كل واحد منهم ، كما أن قوله { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم } يقتضي حصول الرضوان لكل واحد من السابقين والذين اتبعوهم في قوله { رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري } وكذلك في قوله { اتبعوهم } لأنه حكم علق عليهم في هذه الآية ، فقد تناولهم مجتمعين ومنفردين .

وأيضا فإن الأصل في الأحكام المعلقة بأسماء عامة ثبوتها لكل فرد فرد من تلك المسميات كقوله { أقيموا الصلاة } وقوله { لقد رضي الله عن المؤمنين } وقوله تعالى { اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } وأيضا فإن الأحكام المعلقة على المجموع يؤتى فيها باسم يتناول المجموع دون الأفراد كقوله { وكذلك جعلناكم أمة وسطا } وقوله { كنتم خير أمة أخرجت للناس } و قوله { ويتبع غير سبيل المؤمنين } فإن لفظ الأمة ولفظ سبيل المؤمنين لا يمكن توزيعه على أفراد الأمة ، وأفراد المؤمنين ، بخلاف لفظ السابقين فإنه يتناول كل فرد من السابقين .

وأيضا فالآية تعم اتباعهم مجتمعين ومنفردين في كل ممكن ; فمن اتبع جماعتهم إذا اجتمعوا واتبع آحادهم فيما وجد عنهم مما لم يخالفه فيه غيره منهم فقد صدق عليه أنه اتبع السابقين ، أما من خالف بعض السابقين فلا يصح أن يقال " اتبع السابقين " لوجود مخالفته لبعضهم ، لا سيما إذا خالف هذا مرة ، وهذا مرة ، وبهذا يظهر الجواب عن اتباعهم إذا اختلفوا ; فإن اتباعهم هناك قول بعض تلك الأقوال باجتهاد واستدلال ، إذ هم مجتمعون على تسوية كل واحد من تلك الأقوال لمن أدى اجتهاده إليه ، فقد قصد اتباعهم أيضا ، أما إذا قال الرجل قولا ، ولم يخالفه غيره فلا يعلم أن السابقين سوغوا خلاف ذلك القول ، وأيضا فالآية تقتضي اتباعهم مطلقا .

فلو فرضنا أن الطالب وقف على نص يخالف قول الواحد منهم فقد علمنا أنه لو ظفر بذلك النص لم يعدل عنه ، أما إذا رأينا رأيا فقد يجوز أن يخالف ذلك الرأي ، وأيضا فلو لم يكن اتباعهم إلا فيما أجمعوا عليه كلهم لم يحصل اتباعهم إلا فيما قد علم أنه من دين الإسلام بالاضطرار ; لأن السابقين الأولين خلق عظيم ، ولم يعلم أنهم أجمعوا إلا على ذلك ; فيكون هذا الوجه هو الذي قبله ، وقد تقدم بطلانه ; إذ الاتباع في ذلك غير مؤثر ، وأيضا فجميع السابقين قد مات منهم أناس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحينئذ فلا يحتاج في ذلك الوقت إلى اتباعهم للاستغناء عنه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لو فرضنا أحدا يتبعهم إذ ذاك لكان من السابقين ، فحاصله أن التابعين لا يمكنهم اتباع جميع [ ص: 98 ] السابقين ، وأيضا فإن معرفة قول جميع السابقين كالمتعذر ، فكيف يتبعون كلهم في شيء لا يكاد يعلم ؟

وأيضا فإنهم إنما استحقوا منصب الإمامة والاقتداء بهم بكونهم هم السابقين ، وهذه صفة موجودة في كل واحد منهم ، فوجب أن يكون كل منهم إماما للمتقين كما استوجب الرضوان والجنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية