صفحة جزء
فصل :

[ من أدب المفتي أن يتوجه لله ليلهمه الصواب ] الفائدة العاشرة :

ينبغي للمفتي الموفق إذا نزلت به المسألة أن ينبعث من قلبه الافتقار الحقيقي [ الحالي ] لا العلمي المجرد إلى ملهم الصواب ، ومعلم الخير ، وهادي القلوب ، أن يلهمه الصواب ، ويفتح له طريق السداد ، ويدله على حكمه الذي شرعه لعباده في هذه المسألة ، فمتى قرع هذا الباب فقد قرع باب التوفيق ، وما أجدر من أمل فضل ربه أن لا يحرمه إياه ، فإذا وجد من قلبه هذه الهمة فهي طلائع بشرى التوفيق ، فعليه أن يوجه [ ص: 132 ] وجهه ويحدق نظره إلى منبع الهدى ومعدن الصواب ومطلع الرشد ، وهو النصوص من القرآن والسنة وآثار الصحابة ، فيستفرغ وسعه في تعرف حكم تلك النازلة منها ، فإن ظفر بذلك أخبر به ، وإن اشتبه عليه بادر إلى التوبة والاستغفار ، والإكثار من ذكر الله ، فإن العلم نور الله يقذفه في قلب عبده ، والهوى والمعصية رياح عاصفة تطفئ ذلك النور أو تكاد ، ولا بد أن تضعفه .

وشهدت شيخ الإسلام قدس الله روحه إذا أعيته المسائل واستصعبت عليه فر منها إلى التوبة والاستغفار ، والاستغاثة بالله واللجأ إليه ، واستنزال الصواب من عنده ، والاستفتاح من خزائن رحمته ، فقلما يلبث المدد الإلهي أن يتتابع عليه مدا ، وتزدلف الفتوحات الإلهية إليه بأيتهن يبدأ ، ولا ريب أن من وفق هذا الافتقار علما وحالا ، وسار قلبه في ميادينه بحقيقة وقصد فقد أعطي حظه من التوفيق ، ومن حرمه فقد منع الطريق والرفيق ، فمتى أعين مع هذا الافتقار ببذل الجهد في درك الحق فقد سلك به الصراط المستقيم ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .

التالي السابق


الخدمات العلمية