صفحة جزء
[ كلمات حفظت عن الإمام أحمد تتضمن الصفات التي تلزم المفتي ] الفائدة الرابعة والعشرون : في كلمات حفظت عن الإمام أحمد - رحمه الله تعالى ورضي عنه - في أمر الفتيا ، سوى ما تقدم آنفا .

قال في رواية ابنه صالح : ينبغي للرجل إذا حمل نفسه على الفتيا أن يكون عالما بوجوه القرآن ، عالما بالأسانيد الصحيحة ، عالما بالسنن .

وقال في رواية أبي الحارث : لا تجوز الفتيا إلا لرجل عالم بالكتاب والسنة .

وقال في رواية حنبل : ينبغي لمن أفتى أن يكون عالما بقول من تقدم ، وإلا فلا يفتي .

وقال في رواية يوسف بن موسى : أحب أن يتعلم الرجل كل ما تكلم فيه الناس .

وقال في رواية ابنه عبد الله ، وقد سأله عن الرجل يريد أن يسأله عن أمر دينه مما يبتلى به من الأيمان في الطلاق وغيره ، وفي مصره من أصحاب الرأي ، وأصحاب الحديث لا يحفظون ، ولا يعرفون الحديث الضعيف ولا الإسناد القوي ، فلمن يسأل ؟ لهؤلاء أو لأصحاب الحديث على قلة معرفتهم ؟ فقال : يسأل أصحاب الحديث ، ولا يسأل أصحاب الرأي ، ضعيف الحديث خير من الرأي .

وقال في رواية محمد بن عبيد الله بن المنادي ، وقد سمع رجلا يسأله : إذا حفظ الرجل مائة ألف حديث يكون فقيها ؟ قال : لا ، قال : فمائتي ألف ؟ قال : لا ، قال : فثلاثمائة ألف ؟ قال : لا ، قال : [ ص: 158 ] فأربعمائة ألف ؟ قال بيده هكذا ، وحركها ، قال حفيده أحمد بن جعفر بن محمد : فقلت لجدي : كم كان يحفظ أحمد ؟ فقال أجاب عن ستمائة ألف .

وقال عبد الله بن أحمد : سألت أبي عن الرجل يكون عنده الكتب المصنفة فيها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين ، وليس للرجل بصر بالحديث الضعيف المتروك ، ولا الإسناد القوي من الضعيف ، فيجوز أن يعمل بما شاء ويتخير منها فيفتي به ويعمل به ، قال : لا يعمل حتى يسأل ما يؤخذ به منها فيكون يعمل على أمر صحيح ، يسأل عن ذلك أهل العلم .

وقال أبو داود : سمعت أحمد وسئل عن مسألة ، فقال : دعنا من هذه المسائل المحدثة ، وما أحصي ما سمعت أحمد سئل عن كثير مما فيه الاختلاف من العلم فيقول : لا أدري ، وسمعته يقول : ما رأيت مثل ابن عيينة في الفتيا أحسن فتيا منه ، كان أهون عليه أن يقول " لا أدري " من يحسن مثل هذا ؟ سل العلماء .

وقال أبو داود : قلت لأحمد : الأوزاعي هو أتبع من مالك ، فقال : لا تقلد دينك أحدا من هؤلاء ، ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فخذ به ، ثم التابعين بعد الرجل فيه مخير .

وقال إسحاق بن هانئ : سألت أبا عبد الله عن الذي جاء في الحديث { أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار } فقال : يفتي بما لم يسمع .

وقال أيضا : قلت لأبي عبد الله : يطلب الرجل الحديث بقدر ما يظن أنه قد انتفع به ، قال : العلم لا يعدله شيء ، وجاءه رجل يسأل عن شيء فقال : لا أجيبك في شيء ، ثم قال : قال عبد الله بن مسعود : إن كل من يفتي الناس في كل ما يستفتونه لمجنون .

قال الأعمش : فذكرت ذلك للحاكم ، فقال : لو حدثتني به قبل اليوم ما أفتيت في كثير مما كنت أفتي به ، قال ابن هانئ : وقيل لأبي عبد الله : يكون الرجل في قرية فيسأل عن الشيء الذي فيه اختلاف ، قال : يفتي بما وافق الكتاب والسنة ، وما لم يوافق الكتاب والسنة أمسك عنه ، قيل له : أفتخاف عليه ؟ قال : لا ، قيل له : ما كان من كلام إسحاق بن راهويه وما كان وضع في الكتاب وكلام أبي عبيد ومالك ترى النظر فيه ؟ فقال : كل كتاب ابتدع فهو بدعة ، أو كل كتاب محدث فهو بدعة ، وأما ما كان عن مناظرة يخبر الرجل بما عنده ، وما يسمع من الفتيا فلا أرى به بأسا ، قيل له : فكتاب أبي عبيد غريب الحديث ؟ قال : ذلك شيء حكاه عن قوم أعراب ، قيل له : فهذه الفوائد التي فيها المناكير ترى أن تكتب ؟ قال : المنكر أبدا منكر .

التالي السابق


الخدمات العلمية