صفحة جزء
[ لا تجوز الفتيا بالتشهي والتخير ] الفائدة الثامنة والعشرون : لا يجوز للمفتي أن يعمل بما يشاء من الأقوال والوجوه من غير نظر من الترجيح ولا يعتد به ، بل يكتفي في العمل بمجرد كون ذلك قولا قاله إمام أو وجها ذهب إليه جماعة فيعمل بما يشاء من الوجوه والأقوال حيث رأى القول وفق إرادته وغرضه عمل به ، فإرادته وغرضه هو المعيار وبها الترجيح ، وهذا حرام باتفاق الأمة ، وهذا مثل ما حكى القاضي أبو الوليد الباجي عن بعض أهل زمانه ممن نصب نفسه للفتوى أنه كان يقول : إن الذي لصديقي علي إذا وقعت له حكومة أو فتيا أن أفتيه بالرواية التي توافقه ، وقال : وأخبرني من أثق به أنه وقعت له واقعة فأفتاه جماعة من المفتيين بما يضره ، وأنه كان غائبا فلما حضر سألهم بنفسه ، فقالوا : لم نعلم أنها لك ، وأفتوه بالرواية الأخرى التي توافقه ، قال : وهذا مما لا خلاف بين المسلمين ممن يعتد بهم في الإجماع أنه لا يجوز ، وقد قال مالك - رحمه الله - في اختلاف الصحابة رضي الله عنهم مخطئ ومصيب فعليك بالاجتهاد .

وبالجملة فلا يجوز العمل والإفتاء في دين الله بالتشهي والتخير وموافقة الغرض فيطلب القول الذي يوافق غرضه وغرض من يحابيه فيعمل به ، ويفتي به ، ويحكم به ، ويحكم على عدوه ويفتيه بضده ، وهذا من أفسق الفسوق وأكبر الكبائر ، والله المستعان .

التالي السابق


الخدمات العلمية