صفحة جزء
[ كل الأئمة يذهبون إلى الحديث ومتى صح فهو مذهبهم ] الفائدة السابعة والأربعون : قول الشافعي - رحمه الله تعالى - : " إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلته " وكذلك قوله : " إذا صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وقلت أنا قولا فأنا راجع عن قولي وقائل بذلك الحديث " وقوله : " إذا صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضربوا بقولي الحائط " وقوله : " إذا رويت حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أذهب إليه فاعلموا أن عقلي قد ذهب " وغير ذلك من كلامه في هذا المعنى صريح في مدلوله ، وأن مذهبه ما دل عليه الحديث ، لا قول له غيره ، ولا يجوز أن ينسب إليه ما خالف الحديث ويقال : " هذا مذهب الشافعي " ولا يحل الإفتاء بما خالف الحديث على أنه مذهب الشافعي ، ولا الحكم به ، صرح بذلك جماعة من أئمة أتباعه ، حتى كان منهم من يقول للقارئ إذا قرأ عليه مسألة من كلامه : قد صح الحديث بخلافها ، اضرب على هذه المسألة فليست مذهبه ، وهذا هو الصواب قطعا ، ولو لم ينص عليه ، فكيف إذا نص عليه وأبدى فيه وأعاد وصرح فيه بألفاظ كلها صريحة في مدلولها ؟ فنحن نشهد بالله أن مذهبه وقوله الذي لا قول له سواء ما وافق الحديث ، دون ما خالفه وأن من نسب إليه خلافه فقد نسب إليه خلاف مذهبه ، ولا سيما إذا ذكر هو ذلك الحديث وأخبر أنه إنما خالفه لضعف في سنده أو لعدم بلوغه له من وجه يثق به ، ثم ظهر للحديث سند صحيح لا مطعن فيه وصححه أئمة الحديث من وجوه لم تبلغه ، فهذا لا يشك عالم ولا يماري في أنه مذهبه قطعا ، وهذا كمسألة الجوائح ; فإنه علل حديث سفيان بن عيينة بأنه كان ربما ترك ذكر الجوائح ، وقد [ ص: 180 ] صح الحديث من غير طريق سفيان صحة لا مرية فيها ولا علة ولا شبهة بوجه ; فمذهب الشافعي وضع الجوائح ، وبالله التوفيق .

وقد صرح بعض أئمة الشافعية بأن مذهبه أن الصلاة الوسطى صلاة العصر ، وأن وقت المغرب يمتد إلى مغيب الشفق ، وأن من مات وعليه صيام صام عنه وليه ، وأن أكل لحوم الإبل ينقض الوضوء ، وهذا بخلاف الفطر بالحجامة ، وصلاة المأموم قاعدا إذا صلى إمامه كذلك ; فإن الحديث ، وإن صح في ذلك فليس بمذهبه ، فإن الشافعي قد رواه وعرف صحته ، ولكن خالفه ، لاعتقاده نسخه .

وهذا شيء وذاك شيء ، ففي هذا القسم يقع النظر في النسخ وعدمه ، وفي الأول يقع النظر في صحة الحديث وثقة السند ، فاعرفه .

التالي السابق


الخدمات العلمية