صفحة جزء
[ لا يجوز للمفتي أن يفتي بما يخالف النص ] الفائدة الثالثة والخمسون : ( يحرم على المفتي أن يفتي بضد لفظ النص ، وإن وافق مذهبه ) .

ومثاله : أن يسأل عن رجل صلى من الصبح ركعة ثم طلعت الشمس ، هل يتم صلاته أم لا ؟ فيقول : لا يتمها ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { فليتم صلاته } .

ومثل أن يسأل عمن مات عليه صيام : هل يصوم عنه وليه ؟ فيقول : لا يصوم عنه وليه ، وصاحب الشرع صلى الله عليه وسلم قال : { من مات وعليه صيام صام عنه وليه } .

ومثل أن يسأل عن رجل باع متاعه ثم أفلس المشتري فوجده بعينه ، هل هو أحق به ؟ فيقول : ليس أحق به ، وصاحب الشرع يقول : { فهو أحق به } .

ومثل أن يسأل عن رجل أكل في رمضان أو شرب ناسيا ، هل يتم صومه ؟ فيقول : لا يتم صومه ، وصاحب الشرع يقول : { فليتم صومه } .

[ ص: 185 ] ومثل أن يسأل عن أكل كل ذي ناب من السباع ، هل هو حرام ؟ فيقول : ليس بحرام ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { أكل كل ذي ناب من السباع حرام } .

ومثل أن يسأل عن الرجل : هل له منع جاره من غرز خشبة في جداره ؟ فيقول : له أن يمنعه ، وصاحب الشرع يقول " لا يمنعه " .

ومثل أن يسأل : هل تجزي صلاة من لا يقيم صلبه من ركوعه وسجوده ؟ فيقول : تجزيه صلاته ، وصاحب الشرع صلى الله عليه وسلم يقول : { لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه بين ركوعه وسجوده } .

أو يسأل عن مسألة التفضيل بين الأولاد في العطية : هل يصح أو لا يصح ؟ وهل هو جور [ أم لا ؟ ] فيقول : يصح ، وليس بجور ، وصاحب الشرع يقول : " إن هذا لا يصح " ويقول : { لا تشهدني على جور } .

ومثل أن يسأل عن الواهب : هل يحل له أن يرجع في هبته ؟ فيقول : نعم يحل له [ أن يرجع إلا أن يكون والدا أو قرابة فلا يرجع ، وصاحب الشرع يقول : { لا يحل لواهب أن يرجع في هبته إلا الوالد فيما يهب لولده } .

ومثل أن يسأل عن رجل له شرك في أرض أو دار أو بستان : هل يحل له أن يبيع حصته قبل إعلام شريكه بالبيع وعرضها عليه ؟ فيقول : نعم يحل له أن يبيع قبل إعلامه ، وصاحب الشرع يقول : { من كان له شرك في أرض أو ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه } .

ومثل أن يسأل عن قتل المسلم بالكافر ، فيقول : نعم يقتل المسلم بالكافر ، وصاحب الشرع يقول : { لا يقتل مسلم بكافر } .

ومثل أن يسأل عمن زرع في أرض قوم بغير إذنهم ، فهل الزرع له أم لصاحب الأرض ؟ فيقول : الزرع له ، وصاحب الشرع يقول : { من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء ، وله نفقته } .

ومثل أن يسأل : هل يصح تعليق الولاية بالشرط ؟ فيقول : لا يصح ، وصاحب الشرع يقول : { أميركم زيد ، فإن قتل فجعفر ، فإن قتل فعبد الله بن رواحة } .

[ ص: 186 ] ومثل أن يسأل : هل يحل القضاء بالشاهد واليمين ؟ فيقول : لا يجوز ، وصاحب الشرع { قضى بالشاهد واليمين } .

ومثل أن يسأل عن الصلاة الوسطى : هل هي صلاة العصر أم لا ؟ فيقول : ليست العصر ، وقد قال صاحب الشريعة : { صلاة الوسطى صلاة العصر } .

ومثل أن يسأل عن يوم الحج الأكبر : هل هو يوم النحر أم لا ؟ فيقول : ليس يوم النحر ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يوم الحج الأكبر يوم النحر } .

ومثل أن يسأل : هل يجوز الوتر بركعة واحدة ؟ فيقول : لا يجوز الوتر بركعة واحدة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة } .

ومثل أن يسأل : هل يسجد في { إذا السماء انشقت } ، و { اقرأ باسم ربك الذي خلق } فيقول : لا يسجد فيهما ، وقد سجد فيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ومثل أن يسأل عن رجل عض يد رجل فانتزعها من فيه فسقطت أسنانه ، فيقول : له ديتها ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا دية له } .

ومثل أن يسأل عن رجل اطلع في بيت رجل فخذفه ففقأ عينه : هل عليه جناح ؟ فيقول : نعم عليه جناح ، وتلزمه دية عينه ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إنه لو فعل ذلك لم يكن عليه جناح } .

ومثل أن يسأل عن رجل اشترى شاة أو بقرة أو ناقة فوجدها مصراة ، فهل له ردها ورد صاع من تمر معها أم لا ؟ فيقول : لا يجوز له ردها ورد الصاع من التمر معها ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن سخطها ردها وصاعا من تمر } .

ومثل أن يسأل عن الزاني البكر : هل عليه مع الجلد تغريب ؟ فيقول : لا تغريب عليه ، وصاحب الشرع يقول : { عليه جلد مائة وتغريب عام } .

ومثل أن يسأل عن الخضراوات : هل فيها زكاة ؟ فيقول : يجب فيها الزكاة ، وصاحب الشرع يقول : { لا زكاة في الخضراوات } .

أو يسأل عما دون خمسة أوسق : هل فيه زكاة ؟ فيقول : نعم تجب فيه الزكاة ، وصاحب الشرع يقول : { لا زكاة فيما دون خمسة أوسق } .

أو يسأل عن امرأة أنكحت نفسها بدون إذن وليها ، فيقول : نكاحها صحيح ، وصاحب الشرع يقول : { فنكاحها ، باطل ، باطل ، باطل } .

[ ص: 187 ] أو يسأل عن المحلل والمحلل له : هل يستحقان اللعنة ؟ فيقول : لا يستحقان اللعنة ، { وقد لعنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير وجه } .

أو يسأل : هل يجوز إكمال شعبان ثلاثين يوما ليلة الإغماء ، فيقول : لا يجوز إكماله ثلاثين يوما ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما } .

أو يسأل عن المطلقة المبتوتة : هل لها نفقة وسكنى ؟ فيقول : نعم لها النفقة والسكنى ، وصاحب الشرع يقول : { لا نفقة لها ولا سكنى } .

أو يسأل عن الإمام : هل يستحب له أن يسلم في الصلاة تسليمتين ؟ فيقول : يكره ذلك ولا يستحب ، وقد روى خمسة عشر نفسا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه { كان يسلم عن يمينه وعن يساره ، السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله } .

أو يسأل عمن رفع يديه عند الركوع والرفع عنه : هل صلاته مكروهة أو [ هي ] ناقصة ؟ فيقول : نعم تكره صلاته أو هي ناقصة ، وربما غلا فقال : باطلة ، وقد روى بضعة وعشرون نفسا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه { كان يرفع يديه ، عند الافتتاح ، وعند الركوع ، وعند الرفع منه } بأسانيد صحيحة لا مطعن فيها .

أو يسأل عن بول الغلام الذي لم يأكل الطعام : هل يجزي فيه الرش [ أم يجب الغسل ] ؟ فيقول : لا يجزي [ فيه الرش ] وصاحب الشرع { يقول : يرش من بول الغلام } ورشه [ هو ] بنفسه .

أو يسأل عن التيمم : هل يكفي بضربة واحدة إلى الكوعين ، فيقول : لا يكفي ولا يجزئ ، وصاحب الشرع قد نص على أنه يكفي نصا صحيحا لا مدفع له .

أو يسأل عن بيع الرطب بالتمر : هل يجوز ؟ فيقول : نعم [ يجوز ] ، وصاحب الشرع يسأل عنه فيقول : { لا آذن } .

أو يسأل عن رجل أعتق ستة عبيد لا يملك غيرهم عند موته : هل تكمل الحرية في اثنين منهم أو يعتق من كل واحد سدسه ؟ فيقول : لا تكمل الحرية في اثنين منهم ، { وقد أقرع بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكمل الحرية في اثنين وأرق أربعة . } أو يسأل عن القرعة : هل هي جائزة أم باطلة ؟ فيقول : لا ، بل هي باطلة ، وهي من أحكام الجاهلية ، وقد أقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمر بالقرعة في غير موضع .

أو يسأل عن الرجل يصلي خلف الصف وحده : هل له صلاة أم لا [ صلاة ] له ؟ وهل [ ص: 188 ] يؤمر بالإعادة ؟ فيقول : نعم له صلاة ، ولا يؤمر بالإعادة ، وقد قال صاحب الشرع : { لا صلاة له } وأمره بالإعادة .

أو يسأل : هل للرجل رخصة في ترك الجماعة من غير عذر ؟ فيقول : نعم له رخصة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا أجد لك رخصة } .

أو يسأل عن رجل أسلف رجلا ماله وباعه سلعة : هل يحل ذلك ؟ فيقول نعم يحل ذلك ، وصاحب الشرع يقول : { لا يحل سلف وبيع } .

ونظائر ذلك كثيرة جدا ، وقد كان السلف الطيب يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي أو قياس أو استحسان أو قول أحد من الناس كائنا من كان ، ويهجرون فاعل ذلك ، وينكرون على من يضرب له الأمثال ، ولا يسوغون غير الانقياد له والتسليم والتلقي بالسمع والطاعة ، ولا يخطر بقلوبهم التوقف في قبوله حتى يشهد له عمل أو قياس أو يوافق قول فلان وفلان ، بل كانوا عاملين بقوله : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } وبقوله تعالى : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } وبقوله تعالى : { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون } وأمثالها ، فدفعنا إلى زمان إذا قيل لأحدهم " ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كذا وكذا " يقول : من قال بهذا ؟ ويجعل هذا دفعا في صدر الحديث ، أو يجعل جهله بالقائل [ به ] حجة له في مخالفته وترك العمل به ، ولو نصح نفسه لعلم أن هذا الكلام من أعظم الباطل ، وأنه لا يحل له دفع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الجهل ، وأقبح من ذلك عذره في جهله ; إذ يعتقد أن الإجماع منعقد على مخالفة تلك السنة ، وهذا سوء ظن بجماعة المسلمين ، إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقبح من ذلك عذره في دعوى هذا الإجماع ، وهو جهله وعدم علمه بمن قال بالحديث ، فعاد الأمر إلى تقديم جهله على السنة ، والله المستعان .

ولا يعرف إمام من أئمة الإسلام ألبتة قال : لا نعمل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نعرف من عمل به ، فإن جهل من بلغه الحديث من عمل به لم يحل له أن يعمل به كما يقول هذا القائل .

التالي السابق


الخدمات العلمية