صفحة جزء
[ يجمل بالمفتي أن يكثر من الدعاء لنفسه بالتوفيق ] الفائدة الحادية والستون : حقيق بالمفتي أن يكثر الدعاء بالحديث الصحيح { اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم [ ص: 198 ] بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم } وكان شيخنا كثير الدعاء بذلك ، وكان إذا أشكلت عليه المسائل يقول " يا معلم إبراهيم علمني " ويكثر الاستعانة بذلك اقتداء بمعاذ بن جبل رضي الله عنه حيث قال لمالك بن يخامر السكسكي عند موته ، وقد رآه يبكي ، فقال : والله ما أبكي على دنيا كنت أصيبها منك ، ولكن أبكي على العلم والإيمان اللذين كنت أتعلمهما منك ، فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه : إن العلم والإيمان مكانهما ، من ابتغاهما وجدهما ، اطلب العلم عند أربعة : عند عويمر أبي الدرداء ، وعند عبد الله بن مسعود ، وأبي موسى الأشعري ، وذكر الرابع ، فإن عجز عنه هؤلاء فسائر أهل الأرض عنه أعجز ، فعليك بمعلم إبراهيم صلوات الله عليه .

وكان بعض السلف يقول عند الإفتاء : سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم .

وكان مكحول يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله ، وكان مالك يقول : ما شاء الله ، لا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وكان بعضهم يقول : { رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي } وكان بعضهم يقول : اللهم وفقني واهدني وسددني واجمع لي بين الصواب والثواب وأعذني من الخطأ والحرمان .

وكان بعضهم يقرأ الفاتحة ، وجربنا نحن ذلك فرأيناه أقوى أسباب الإصابة .

والمعول في ذلك كله على حسن النية ، وخلوص القصد ، وصدق التوجه في الاستمداد من المعلم الأول معلم الرسل والأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم ; فإنه لا يرد من صدق في التوجه إليه لتبليغ دينه وإرشاد عبيده ونصيحتهم والتخلص من القول عليه بلا علم ، فإذا صدقت نيته ورغبته في ذلك لم يعدم أجرا إن فاته أجران ، والله المستعان .

وسئل الإمام أحمد ، فقيل له : ربما اشتد علينا الأمر من جهتك ، فلمن نسأل بعدك ؟ فقال : سلوا عبد الوهاب الوراق ، فإنه أهل أن يوفق للصواب .

واقتدى الإمام أحمد بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : اقتربوا من أفواه المطيعين واسمعوا منهم ما يقولون ; فإنهم تجلى لهم أمور صادقة ، وذلك لقرب قلوبهم من الله ، وكلما قرب القلب من الله زالت عنه معارضات السوء ، وكان نور كشفه للحق أتم وأقوى ، وكلما بعد عن الله كثرت عليه [ ص: 199 ] المعارضات ، وضعف نور كشفه للصواب ; فإن العلم نور يقذفه الله في القلب ، يفرق به العبد بين الخطأ والصواب .

وقال مالك للشافعي رضي الله عنهما في أول ما لقيه : إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورا فلا تطفئه بظلمة المعصية ، وقد قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا } ومن الفرقان النور الذي يفرق به العبد بين الحق والباطل ، وكلما كان قلبه أقرب إلى الله كان فرقانه أتم ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية