صفحة جزء
[ من الأمثال التي ضربها الله ورسوله ]

ومن أحسن هذه الأمثال وأبلغها وأعظمها تقريبا إلى الأفهام ما رواه الإمام أحمد والترمذي من حديث الحارث الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن الله - سبحانه - أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات ليعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها ، وإنه كاد أن يبطئ بها ، فقال عيسى : إن الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها ، فإما أن تأمرهم وإما أن آمرهم ، فقال يحيى : أخشى إن سبقتني أن يخسف بي أو أعذب ، [ ص: 177 ] فجمع الناس في بيت المقدس ، فامتلأ المسجد وقعدوا على الشرف ، فقال : إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن : أولاهن : أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وإن مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق . فقال : هذه داري وهذا عملي ، فاعمل وأد إلي ، فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده ، فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك ؟ وإن الله أمركم بالصلاة ، فإذا صليتم فلا تلتفتوا ، فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت ، وأمركم بالصيام ، فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرة فيها مسك ، وكلهم يعجبه ريحها ، وإن ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، وأمركم بالصدقة ، فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فأوثقوا يديه إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه ، فقال : أنا أفتدي منكم بكل قليل وكثير ، ففدى نفسه منهم ، وأمركم أن تذكروا الله ، فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعا حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم ، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن : السمع ، والطاعة ، والجهاد ، والهجرة ، والجماعة ; فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام عن عنقه إلا أن يراجع . ومن ادعى دعوى الجاهلية فإنه من جثاء جهنم ، قالوا : يا رسول الله وإن صلى وإن صام ؟ فقال : وإن صلى وإن صام ، فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله } ، حديث صحيح .

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه خمس مرات ، هل يبقى من درنه شيء ؟ قالوا : لا ، قال : فذلك مثل الصلوات الخمس يمحوا الله بهن الخطايا ومثل صلى الله عليه وسلم المؤمن القارئ للقرآن بالأترجة في طيب الطعم والريح ، وضده بالحنظلة ، والمؤمن الذي لا يقرأ بالتمرة في طيب الطعم وعدم الريح ، والفاجر القارئ بالريحانة ريحها طيب وطعمها مر ، ومثل المؤمن بالخامة من الزرع لا تزال الرياح تميلها ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء ، ومثل المنافق بشجرة الأرز - وهي الصنوبرة - لا تهتز ولا تميل حتى تقطع مرة واحدة ، ومثل المؤمن بالنخلة في كثرة خيرها ومنافعها وحاجة الناس إليها وانتيابهم لها لمنافعهم بها ، وشبه أمته بالمطر في نفع أوله وآخره وحياة الوجود به ، ومثل أمته والأمتين الكتابيتين قبلها فيما خص الله به أمته وأكرمها به بأجراء عملوا بأجر مسمى لرجل يوما على أن يوفيهم أجورهم ، فلم يكملوا بقية يومهم وتركوا العمل من أثناء النهار ، فعملت أمته بقية النهار فاستكملوا أجر الفريقين ، وضرب له ولأمته جبريل وميكائيل مثل ملك اتخذ دارا ، ثم ابتنى فيها بيتا ، ثم جعل مائدة ، ثم بعث رسولا [ ص: 178 ] يدعو الناس إلى طعامه ، فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من تركه ، فالله هو الملك ، والرسول محمد الداعي ، والدار الإسلام ، والبيت الجنة ، فمن أجابه دخل الإسلام ، ومن دخل الإسلام دخل دار الملك وأكل منها ، ومن لم يجبه لم يدخل داره ولم يأكل منها } .

، وفي المسند والترمذي من حديث النواس بن سمعان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن الله ضرب مثلا صراطا مستقيما ، على كنفي الصراط سوران لهما أبواب مفتحة ، وعلى الأبواب ستور مرخاة ، وعلى باب الصراط داع يقول : يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تعرجوا ، وداع يدعو من فوق الصراط فإذا أراد أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال : ويحك ، لا تفتحه ، فإنك إن تفتحه تلجه ، فالصراط الإسلام ، والسوران حدود الله ، والأبواب المفتحة محارم الله ، فلا يقع أحد في حد من حدود الله حتى يكشف الستر ، والداعي على رأس الصراط كتاب الله ، والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم } فليتأمل العارف قدر هذا المثل ، وليتدبره حق تدبره ، ويزن به نفسه ، وينظر أين هو منه ؟ ، وبالله التوفيق .

وقال : { مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بني دارا فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة ، فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون منها ، ويقولون لولا موضع تلك اللبنة ، فكنت أنا موضع تلك اللبنة } ، رواه مسلم .

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة وأبي سعيد عنه صلى الله عليه وسلم : { إنما مثلي ومثل أمتي كمثل رجل استوقد نارا ، فجعل الدواب والفراش يقعن فيها ، فأنا آخذ بحجزكم من النار وأنتم تقتحمون فيها . ومثل من وقع في الشبهات بالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه } .

وقال الحافظ أبو محمد بن خلاد الرامهرمزي : حدثنا أبو سعيد الحراني ثنا يحيى بن عبد الله البابلتي ثنا صفوان بن عمرو قال : ثني سليم بن عامر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وأوتيت جوامع الكلم ، وأوتيت الحكمة ، وضرب لي من الأمثال مثل القرآن ، وإني بينا أنا نائم إذ أتاني ملكان فقام أحدهما عند رأسي وقام الآخر عند رجلي ، فقال للذي عند رأسي : اضرب مثلا وأنا أفسره ، فقال الذي عند رأسي وأهوى إلي : لتنم عينك ولتسمع أذنك وليع قلبك ، قال : فكنت كذلك ، أما الأذن فتسمع ، وأما القلب فيعي ، وأما العين فتنام ، قال : فضرب مثلا فقال : بركة فيها شجرة ثابتة ، وفي الشجرة غصن خارج ، فجاء ضارب فضرب الشجرة ، فوقع الغصن ووقع معه ورق كثير ، كل ذلك في البركة لم يعدها ، ثم ضرب الثانية ، فوقع ورق كثير ، كل ذلك في البركة لم يعدها ، ثم ضرب الثالثة فوقع ورق كثير ، لا أدري ما وقع فيها أكثر أو ما خرج منها ، قال : ففسر الذي عند رجلي ، فقال : أما البركة فهي الجنة ، وأما الشجرة فهي الأمة ، وأما الغصن فهو النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما الضارب فملك الموت : ضرب الضربة الأولى في القرن [ ص: 179 ] الأول فوقع النبي صلى الله عليه وسلم وأهل طبقته ، وضرب الثانية في القرن الثاني ، فوقع كل ذلك في الجنة ، ثم ضرب الثالثة في القرن الثالث فلا أدري ما وقع فيها أكثر أم ما خرج منها } .

وفي المسند من حديث جابر : { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه نذير جيش يقول صبحكم ومساكم ، ثم يقول : بعثت أنا والساعة كهاتين ، ويقرن بين أصبعه السبابة والوسطى } .

وفي حديث المستورد { بعثت في نفس الساعة سبقتها كما سبقت هذه هذه ، وأشار بأصبعيه } ، وفي المسند عنه { ، إن مثلي ومثل ما بعثني الله كمثل رجل أتى قومه فقال : يا قوم إني رأيت الجيش بعيني ، وأنا النذير العريان فالنجاء ، فأطاعه طائفة منهم فأدلجوا على مهلهم فنجوا ، وكذبته طائفة فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم ، وكذلك مثل من أطاعني واتبع ما جئت به ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق } وفي الصحيحين عنه : { مثلي ومثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا ، فكان منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكان منها أجادب أمسكت الماء ، فنفع الله بها الناس فشربوا وزرعوا وسقوا ، وأصاب طائفة أخرى منها إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به } .

وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه خطب الناس فقال : { والله ما الفقر أخشى عليكم ، وإنما أخشى عليكم ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا ، فقال رجل : يا رسول الله أو يأتي الخير بالشر ؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : كيف قلت ؟ فقال : يا رسول الله أو يأتي الخير بالشر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الخير لا يأتي إلا بالخير ، وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم ، إلا آكلة الخضر أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت فثلطت وبالت ثم اجترت وعادت فأكلت ، فمن أخذ مالا بحقه يبارك له فيه ، ومن أخذ مالا بغير حقه فمثله كمثل الذي يأكل ولا يشبع } .

وقالت ميمونة : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص : الدنيا خضرة حلوة ، فمن اتقى الله فيها وأصلح ، وإلا فهو كالذي يأكل ولا يشبع ، وبين الناس في ذلك كبعد الكوكبين أحدهما يطلع في المشرق والآخر يغيب في المغرب ، ومثل نفسه صلى الله عليه وسلم في الدنيا براكب مر بأرض فلاة ، فرأى شجرة ، فاستظل تحتها ، ثم راح وتركها } . وفي المسند والترمذي عنه { ما الدنيا في الآخرة إلا كما يضع أحدكم أصبعه في اليم ، فلينظر بم يرجع ؟ } ، { ومر مع الصحابة بسخلة منبوذة فقال : أترون هذه هانت على أهلها ، فوالذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه على أهلها } .

وقال : { إنما مثلي ومثلكم ومثل الدنيا كمثل قوم [ ص: 180 ] سلكوا مفازة غبراء لا يدرون ما قطعوا منها أكثر أو ما بقي منها ، فحسرت ظهورهم ، ونفد زادهم ، وسقطوا بين ظهري المفازة ، فأيقنوا بالهلكة ، فبينما هم كذلك إذ خرج عليهم رجل في حلة يقطر رأسه ، فقالوا : إن هذا لحديث عهد بريف ، فانتهى إليهم ، فقال : يا هؤلاء ، ما شأنكم ؟ فقالوا : ما ترى كيف حسرت ظهورنا ونفذت أزوادنا بين ظهري هذه المفازة لا ندري ما قطعنا منها أكثر أم ما بقي ؟ فقال : ما تجعلون لي إن أوردتكم ماء رواء ورياضا خضرا ؟ قالوا : حكمك ، قال : تعطوني عهودكم ومواثيقكم ألا تعصوني ، ففعلوا ، فمال بهم فأوردهم ماء رواء ورياضا خضرا ، فمكث يسيرا ثم قال : هلموا إلى رياض أعشب من رياضكم هذه وماء أروى من مائكم هذا ، فقال جل القوم : ما قدرنا على هذا حتى كدنا أن لا نقدر عليه ، وقالت طائفة منهم : ألستم قد جعلتم هذا الرجل عهودكم ومواثيقكم أن لا تعصوه ؟ فقد صدقكم في أول حديثه ، فآخر حديثه مثل أوله ، فراح وراحوا معه فأوردهم رياضا خضرا ، وماء رواء ، وأتى الآخرين العدو من ليلتهم فأصبحوا ما بين قتيل وأسير } ، وقال : { مثل المؤمن كمثل النخلة أكلت طيبا ووضعت طيبا ، وإن مثل المؤمن كمثل القطعة الجيدة من الذهب أدخلت في النار فنفخ عليها فخرجت جيدة } .

وروى ليث عن مجاهد عن ابن عمر يرفعه : { مثل المؤمن مثل النخلة - أو النحلة - إن شاورته نفعك ، وإن ماشيته نفعك ، وإن شاركته نفعك } ، وقال : { مثل المؤمن والإيمان كمثل الفرس في آخيته يجول ما يجول ثم يرجع إلى أخيته ; وكذلك المؤمن يفترق ما يفترق ثم يرجع إلى الإيمان } ، وقال : { مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد ، إذا اشتكى شيء منه تداعى سائره بالسهر والحمى } ، وقال : " { مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين ، تكر إلى هذه مرة ، وإلى هذه مرة } ، وقال : { مثل القرآن كمثل الإبل المعقلة ، إن تعهد صاحبها عقلها أمسكها ، وإن أغفلها ذهبت ، وإذا قام صاحب القرآن به ذكره ، وإذا لم يقم به نسيه } ، وقال موسى بن عبيدة عن ماعز بن سويد العرجي عن علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { مثل المؤمن الذي لا يتم صلاته مثل المرأة التي حملت حتى إذا دنا نفاسها أسقطت ، فلا حامل ولا ذات رضاع ; ومثل المصلي كمثل التاجر لا يخلص له الربح حتى يخلص له رأس المال وكذلك المصلي لا يقبل الله له نافلة حتى يؤدي الفريضة } .

وقال حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أوس بن خالد عن أبي هريرة يرفعه [ ص: 181 ] { مثل الذي يسمع الحكمة ولا يحمل إلا شرها كمثل رجل أتى راعيا فقال : آجرني شاة من غنمك ، فقال : انطلق فخذ بأذن شاة منها ، فذهب فأخذ بأذن كلب الغنم } ، وقال عبد الله بن المبارك : ثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني أبو هريرة قال : سمعت معاوية يقول على هذا المنبر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { إنما بقي من الدنيا بلاء وفتنة ، وإنما مثل عمل أحدكم كمثل الوعاء إذا طاب أعلاه طاب أسفله ، وإذا خبث أعلاه خبث أسفله } . وفي المسند من حديث عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم : { أن رجلا كان فيمن كان قبلكم استضاف قوما فأضافوه ، ولهم كلبة تنبح ، قال : فقالت الكلبة : والله لا أنبح ضيف أهلي الليلة ، قال : فعوى جراؤها في بطنها فبلغ ذلك نبيا لهم أو قيلا لهم ، فقال : مثل هذه مثل أمة تكون بعدكم يقهر سفهاؤها حكماءها ويغلب سفهاؤها علماءها } .

وفي صحيح البخاري من حديث النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة ، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها ، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم ، فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا ، فإن هم تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا }

. وفي المعجم الكبير عنه من حديث سهل بن سعد قال : { إياكم ومحقرات الذنوب ، فإن مثل ذلك كمثل قوم نزلوا بطن واد ، فجاء هذا بعود وهذا بعود ، حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم ، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه }

، وفي المسند من حديث أبي بن كعب يرفعه { إن مطعم بن آدم ضرب مثلا للدنيا ، فانظر ما يخرج من ابن آدم وإن فرخه وملحه قد علم إلى ما يصير } .

وقال أبو محمد بن خلاد : ثنا عبد الله بن أحمد بن معدان ثنا يوسف بن مسلم المصيصي ثنا حجاج الأعور عن أبي بكر الهذلي عن الحسن عن أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إني ضربت للدنيا مثلا ، ولابن آدم عند الموت ، مثله مثل رجل له ثلاثة أخلاء ، فلما حضره الموت قال لأحدهم : إنك كنت لي خليلا ، وكنت أبر الثلاثة عندي ، وقد نزل بي من أمر الله ما ترى ، فماذا عندك ؟ قال : يقول : وماذا عندي ؟ وهذا أمر الله قد غلبني ، ولا أستطيع أن أنفس كربتك ، ولا أفرج غمك ، ولا أؤخر ساعتك ، ولكن ها أنا ذا بين يديك ، فخذني زادا تذهب به معك ، فإنه ينفعك ، قال : ثم دعا الثاني فقال : إنك كنت لي خليلا ، وكنت أبر الثلاثة عندي ، وقد نزل بي من أمر الله ما ترى ، فماذا عندك ؟ قال : يقول : وماذا عندي ؟ وهذا أمر الله غلبني ، ولا أستطيع أن أنفس كربتك ، ولا أفرج غمك ، ولا أؤخر ساعتك ، ولكن سأقوم عليك في مرضك ، فإذا مت أنقيت غسلك وجددت كسوتك وسترت جسدك وعورتك قال : ثم دعا الثالث فقال : قد نزل [ ص: 182 ] بي من أمر الله ما ترى ، وكنت أهون الثلاثة علي ، وكنت لك مضيعا ، وفيك زاهدا ، فما عندك ؟ قال : عندي أبي قرينك وحليفك في الدنيا والآخرة ، أدخل معك قبرك حين تدخله ، وأخرج منه حين تخرج منه ، ولا أفارقك أبدا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هذا ماله وأهله وعمله ، أما الأول الذي قال خذني زادا فماله ، والثاني أهله ، والثالث عمله }

. وقد رواه أيضا بسياق آخر من حديث أبي أيضا ، ولفظه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما لأصحابه أتدرون ما مثل أحدكم ومثل ماله وأهله وعمله ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، فقال : إنما مثل أحدكم ومثل أهله وماله وعمله كمثل رجل له ثلاثة إخوة ، فلما حضرته الوفاة دعا بعض إخوته فقال : إنه قد نزل بي من الأمر ما ترى ، فمالي عندك ؟ وما لديك ؟ فقال : لك عندي أن أمرضك ولا أزايلك ، وأن أقوم بشأنك ، فإذا مت غسلتك وكفنتك وحملتك مع الحاملين ، أحملك طورا وأميط عنك طورا ، فإذا رجعت أثنيت عليك بخير هنا عند من يسألني عنك ، هذا أخوه الذي هو أهله ، فما ترونه ؟ قالوا : لا نسمع طائلا يا رسول الله ، ثم يقول للأخ الآخر : أترى ما قد نزل بي ؟ فمالي لديك ؟ ومالي عندك ؟ فيقول : ليس عندي غناء إلا وأنت في الأحياء ، فإذا مت ذهب بك مذهب وذهب بي مذهب ، هذا أخوه الذي هو ماله ، كيف ترونه ؟ قالوا : لا نسمع طائلا يا رسول الله ، ثم يقول لأخيه الآخر : أترى ما قد نزل بي وما رد علي أهلي ومالي ؟ فمالي عندك ؟ وما لي لديك ؟ فيقول : أنا صاحبك في لحدك ، وأنيسك في وحشتك ، وأقعد يوم الوزن في ميزانك فأثقل ميزانك . هذا أخوه الذي هو عمله ، كيف ترونه ؟ قالوا : خير أخ وخير صاحب يا رسول الله قال : فإن الأمر هكذا } .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { مثل الجليس الصالح مثل صاحب المسك ، إما أن يحذيك وإما أن يبيعك وإما أن تجد منه ريحا طيبة ، ومثل جليس السوء كمثل صاحب الكير ، إن لم يصبك من شرره أصابك من ريحه } ، وفي الصحيح عنه أنه قال : { مثل المنفق والبخيل مثل رجلين عليهما جبتان - أو جنتان - من حديد من لدن ثديهما إلى تراقيهما ، فإذا أراد المنفق أن ينفق سبغت عليه حتى يجر بنانه ويعفو أثره ، وإذا أراد البخيل أن ينفق قلصت ولزمت كل حلقة موضعها فهو يوسعها ولا تتسع } ، وقال : { مثل الذين يغزون من أمتي ويتعجلون أجورهم كمثل أم موسى ترضع ولدها وتأخذ أجرها } .

التالي السابق


الخدمات العلمية