صفحة جزء
[ ص: 119 ] فصل في المستفيض [ تعريف المستفيض والفرق بينه وبين المتواتر ] قيل : إنه والمتواتر بمعنى واحد ، وهو الذي جرى عليه أبو بكر الصيرفي والقفال الشاشي ، كما رأيته في كتابيهما . وقيل : بل المستفيض رتبة متوسطة بين المتواتر والآحاد ، ونقله إمام الحرمين وأتباعه عن الأستاذ أبي إسحاق ، وجرى عليه تلميذه الأستاذ أبو منصور في كتاب معيار النظر " ، وابن برهان في الأوسط " فقال : ضابطه أن ينقله عدد كثير يربو على الآحاد ، وينحط عن عدد التواتر . وجعله الآمدي وابن الحاجب قسما من الآحاد . قال الآمدي : وهو ما نقله جماعة تزيد على الثلاثة والأربعة ، وهو المشهور في اصطلاح المحدثين ، وقيل : " المستفيض " ما تلقته الأمة بالقبول ، وعن الأستاذ أبي إسحاق أنه [ ص: 120 ] ما اشتهر عند أئمة الحديث ، ولم ينكروه ، وكأنه استدل بالاشتهار مع التسليم ، وعدم الإنكار على صحة الحديث ، وقد أشار ابن فورك في صدر كتابه : مشكل الحديث " إلى هذا أيضا .

ومثله بخبر : { في الرقة ربع العشر ، وفي مائتي درهم خمسة دراهم } . وقال الروياني في البحر " : المستفيض : أن يكون الخبر مرة بعد مرة ، وليس هناك رتبة تدل على خلافه . والمختار أنه الشائع بين الناس ، وقد صدر عن أصل ليخرج الشائع لا عن أصل . وذكر الماوردي في الحاوي " والروياني في البحر " تقسيما غربيا جعلا فيه المستفيض أعلى رتبة من المتواتر ، وكل منهما يفيد العلم . فقالا : الخبر على ثلاثة أضرب . أحدها : الاستفاضة ، وهو أن ينتشر من ابتدائه بين البر والفاجر ، ويتحققه العالم والجاهل ، ولا يختلف فيه ، ولا يشك فيه سامع إلى أن ينتهي ، وعنيا بذلك استواء الطرفين والوسط . قالا : وهذا أقوى الأخبار وأثبتها حكما . والثاني : التواتر : وهو أن يبتدئ به الواحد بعد الواحد حتى يكثر عددهم ، ويبلغوا قدرا ينتفي عن مثلهم التواطؤ والغلط فيكون في أوله من أخبار الآحاد وفي آخره من المتواتر ، والفرق بينه وبين الاستفاضة من ثلاثة أوجه . أحدها : ما ذكرناه من اختلافهما في الابتداء واتفاقهما في الانتهاء . الثاني : أن خبر الاستفاضة لا تراعى فيه عدالة المخبر ، وفي المتواتر يراعى ذلك . [ ص: 121 ] والثالث : أن الاستفاضة تنتشر من غير قصد له ، والمتواتر ما انتشر عن قصد لروايته ، ويستويان في انتفاء الشك ووقوع العلم بهما وليس العدد فيهما محصورا وإنما الشرط انتفاء التواطؤ على الكذب من المخبرين .

قالا : والمستفيض من أخبار السنة مثل عدد الركعات ، والتواتر منها مثل وجوب الزكوات . هكذا قالا ، وهو غريب ، لكن قولهما في الاستفاضة موافق لما اختاراه من أن الشهادة بالاستفاضة من طرقها أن يكون قد سمع ذلك من عدد يمتنع تواطؤهم على الكذب ، وهو اختيار ابن الصباغ والغزالي والمتأخرين . قال الرافعي وهو : أشبه بكلام الشافعي . والذي اختاره الشيخ أبو حامد الإسفراييني ، والشيخ أبو إسحاق ، وأبو حاتم القزويني ، أن أقل ما ثبتت به الاستفاضة سماعه من اثنين ، وإليه ميل إمام الحرمين ، وذكر الرافعي في موضع آخر عن ابن كج ، ونقل وجهين : في أنه هل يشترط أن يقع في قلب السامع صدق المخبر ؟ قال : ويشبه أن يكون هذا غير الخلاف المذكور في أنه هل يعتبر خبر عدد يؤمن فيهم التواطؤ .

التالي السابق


الخدمات العلمية