صفحة جزء
[ ص: 260 ] مسألة [ رد الحديث بدعوى مخالفته الأصول ] ولا يضر كونه مخالفا لظاهر الأصول من كتاب أو سنة مجمع عليها ، أو إجماع خلافا لبعض الحنفية ، ولهذا ردوا خبر اليمين والشاهد ; لأنه مخالف للقرآن في زعمهم ، وردوا خبر المصراة والقرعة ، وخبر فاطمة بنت قيس في نفي السكنى للمتغربة ، ولذلك زعموا أنه لا يجوز تخصيص المتواتر بالآحاد كما لا ينسخه . [ السر في رد الحنفية لهذه الأحاديث ] قال الأستاذ أبو منصور : وهذه أصول مهدوها من أجل أخبار احتج بها أصحابنا عليهم في مواضع عجزوا عن دفعها ، فردوها من هذه الوجوه التي ذكرناها ، وقالوا بأمثالها في الضعف كخبر نبيذ التمر مع أنه مخالف للقرآن ، إذ القرآن دل على أنه لا واسطة بين الماء والتراب ، وللقياس ; لأن القياس يوجب أن ما امتنع التوضؤ به في الحضر امتنع في السفر .

وقبلوا خبر القهقهة في الصلاة مع ضعفه ومخالفته للقياس ، لأن القياس يوجب أن ما كان حدثا في الصلاة كان حدثا في غيرها ، وما لم ينقض الطهر في غيرها لا ينقض فيها ، وقبلوا خبرا ضعيفا في إيجاب ربع قيمة البقرة في [ ص: 261 ] عينها تخصيصا لها من بين سائر أطرافها ؟ وقالوا أيضا : بإلزام المدعى عليه القتل الدية مع اليمين في القسامة ، تخصيصا لها من بين الأيمان ، فكيف أنكروا خبر المصراة مع صحته لمخالفته القياس ؟ . أتراه أعظم من تركهم القياس بالاستحسان الذي قالوا به من غير دلالة ، ولا أصل يشهد له ، وقالوا لنا ما لا به نقل { واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان } فزدتم الشاهد واليمين . فقلنا لهم : وقد قال الله تعالى : { فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا } فنقل من الماء إلى التراب ، ولم يجعل بينهما واسطة فزدتم نبيذ التمر مع إجماع أهل النقل على ضعف حديثه ، وقوة حديث الشاهد واليمين في صحيح مسلم وغيره . فنحن لم نجعل واسطة بين الشاهدين ، والشاهد والمرأتين ، وإنما قلنا : إذا عدم ذلك جاز الحكم بالشاهد واليمين ، والقرآن لا ينفي ذلك ، وإنما يجعل الشاهد واليمين بدلا من الشاهدين . وقالوا بحديث العينة ، وتركوا ظاهر قوله تعالى : { وأحل الله البيع وحرم الربا } فخصصوا ظاهر القرآن .

وقسم الهندي خبر الواحد إذا خصص عموم الكتاب والسنة المتواترة [ ص: 262 ] أو قيد مطلقهما إلى ثلاثة أقسام . أحدها : إلى ما لا يعلم مقارنته له ، ولا تراخيه عنه . فقال القاضي عبد الجبار : يقبل ; لأن الصحابة رفعت كثيرا من أحكام القرآن ، بأخبار الآحاد ، ولم يسألوا أنها هل كانت مقارنة أم لا ؟ . قال : وهو الأولى ; لأن حمله على كونه مخصصا مقبولا أولى من حمله على كونه ناسخا مردودا . الثاني : أن يعلم مقارنته له ، فيجوز عند من يجوز تخصيص المقطوع بالمظنون . والثالث : أن يعلم تراخيه عنه ، فمن لم يجوز تأخير البيان عن وقت الخطاب لم يقبله ; لأنه لو قبله لقبل ناسخا ، وهو غير جائز . ومن جوزه قبله إن كان ورد قبل حضور وقت العمل به ، وأما إذا ورد بعده فلا يقبل بالاتفاق .

التالي السابق


الخدمات العلمية