صفحة جزء
مسألة [ عرض الحديث على القرآن ] لا يجب عرض الخبر على الكتاب ، قال ابن السمعاني في " القواطع " : وذهب جماهير الحنفية إلى وجوب عرضه ، فإن لم يكن في الكتاب ما يدل على خلافه قبل وإلا رد ، وإليه ذهب أكثر المتكلمين ، وقال أبو زيد في أصوله : خبر الواحد يعتقد من وجوه أربعة : العرض على كتاب الله ، ورواجه بموافقته ، فالتبس بمخالفته ، ثم على السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي الثابتة بطريق الاستفاضة ، ثم العرض على الحادثة ، فإن كانت مشهورة لعموم البلوى بها ، والخبر شاذ كان ذلك ومحرب ، وكذا إن كان حكم الحادثة مما اختلف فيه السلف ، خلافا ظاهرا ، ولم ينقل عنهم المحاجة بالحديث كان عدم ظهور الحجاج ومحرب فيه .

قال : وأما الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله } . فلو صحت لاحتيج إلى عرضها على الكتاب ، وقد عرضناها عليه ، فلم نجد فيه ما يدل على صحتها بل ما يدل على خلافها ; وهو قوله : { وما آتاكم الرسول فخذوه } . [ ص: 264 ] ورد ابن السمعاني كلامه ، وقال : الخبر حجة في نفسه إذا ثبت ، ولا يجب عرضه ، ولهذا جوزنا تخصيص عموم الكتاب به . ا هـ . وكذلك قال القفال الشاشي في كتابه : قد أوجب الله تعالى اتباع نبيه ، والخبر أنه لا ينطق عن الهوى عاما له بقبوله واعتقاد صحته واجب ، وليس يخلو إما أن يكون موافقا للكتاب ، فهو تأكيد له ، وإما أن لا يوجد في الكتاب فهو ابتداء شرع من الله ، ولهذا قال الله تعالى : { وما آتاكم الرسول فخذوه } وقد يكون ذلك في الكتاب ، وإن ذهب عنا وجهه . قال : فلا وجه لقول من قال : إذا رويت سنة عرضتها على القرآن . قال : فإن خالفته على معنى ورود الكتاب بالأمر بالشيء أو إباحته ، وفي السنة النهي عنه ، أو حظره ، فهذا لم يوجد صحيحا ، إلا فيما نسخه رسول الله صلى الله عليه وسلم من سنته . قلت : وقد قال الشافعي في " الرسالة " وقد سئل عن أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : { ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله ، فما وافقه فأنا قلته ، وما خالفه فلم أقله } : ما روى هذا أحد يثبت حديثه في شيء صغير ولا كبير ، ثم قال : وهذه رواية منقطعة عن رجل مجهول ، وعمن لا يقبل [ عنه ] مثل هذه الرواية في شيء . انتهى .

ثم ذكر قوله تعالى : { حرمت عليكم أمهاتكم } وقوله صلى الله عليه وسلم : { لا تنكح المرأة على عمتها } ، الحديث . ثم قال : [ ص: 265 ] فلم أعلم مخالفا في اتباعه ، وكانت معه دلالتان : دلالة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكون مخالفا لكتاب الله بحال ، ولكنها سنة عاما وخاصا ودلالة ، على أنهم قبلوا فيه خبر الواحد ، فلا نعلم أحدا رواه من وجه يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبا هريرة رضي الله عنه . ا هـ . وفي ظني أنه في البخاري عن جابر .

التالي السابق


الخدمات العلمية