صفحة جزء
الثالثة : أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكذا ، أو نهى عن كذا ، أو قضى بكذا ، فهذا يتطرق إليه احتمال الواسطة مع احتمال ظنه ما ليس بأمر أمرا . لكن الظاهر من حال الصحابي خلافه ، فلذلك ذهب الجمهور إلى أنه حجة . وخالف داود الظاهري ، فقال : لا يحتج به حتى ينقل لفظ الرسول . قال القاضي أبو الطيب : هكذا سمعت القاضي أبا الحسن الحريري يقوله ويحكيه من مذهب داود ، وسمعت ابن بيان القصار وكان داود ينكر ذلك ، ويقول يجوز الاحتجاج به ، وقال قوم من المتكلمين : لا يجوز الاحتجاج به ، هكذا قال القاضي أبو الطيب [ ص: 298 ] وترجم المسألة بقوله : أمرنا ، واحتج في أثنائها بأنه إذا قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حمل على التحريم ، ولذلك يحمل : أمرنا على الوجوب ، وهذا يدل على مساعدتهم في النهي ، ومما يساعد ما نقله عن الحريري ما رأيته في كتاب " الإعذار الراد على كتاب الإنذار " لأبي العباس بن السراج عن الظاهرية أو من ذهب منهم إلى أنه لا يقبل الحديث إلا إذا قال راويه : سمعت وأخبرنا ، حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقال ابن حزم : قول الصحابي من السنة كذا أو أمرنا بكذا ليس بمسند . وتكلم القاضي أبو بكر في " التقريب " في هذه المسألة في مقامات : أحدها : أن الصحابي علم كون ذلك أمرا بذلك من وجه غير محتمل عنده ، وأنه يجب العمل به ، وحكي في هذه خلاف بعض أهل الظاهر . قال : واختلف في طريق علم الراوي بكون الفعل أمرا ، فقيل بقوله : افعلوا ، وأمرتكم ، وقيل : لا بد أن يعلم كونه مريدا الامتثال المأمور به . قال : والمختار أن يعلم بقوله : أمرتكم بكذا ، ونهيتكم عن كذا ، وبقوله : افعلوا . ويقترن به من الأحوال ما يعلم به قصد الرسول إلى الأمر ، وهذا بناه على أنه لا صيغة للأمر . وحكى القاضي أبو بكر في " التقريب " ، وإمام الحرمين في " التلخيص " في هذا المقام قولا بالتفصيل بين أن يكون الناقل له من أهل المعرفة باللغة ، فيجعل قوله أمر رسول الله كنقله لفظة الأمر ، وإن لم يكن عارفا باللغة فلا يجعل كذلك . قال : فقال القاضي : والصحيح عندنا أنه إن كان المعنى المنقول بحيث تعتور عليه العبارات المختلفة فلا يجعل نقله [ ص: 299 ] في ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم ، وإن كانت بحيث لا يختلف عليه العبارة ، ولا تحول فيه ، فهو كقوله .

ثانيها : أنه هل يحمل على التعميم على كافة أهل الأعصار ؟ فذهب بعضهم إلى ذلك . واختار القاضي الوقف ، ولا يحمل على خصوص ولا عموم إلا أن يقترن به من حال الراوي ما يدل على ذلك . قال ابن القشيري : وإنما بنى القاضي على معتقده في الوقف . ثالثها : أن ذلك محمول على السماع ، إذ يجوز أن يكون سمعه ، ويجوز أن يكون روي له عنه خلاف ، والأظهر الأول ، وقيل : بالوقف ومال إليه الإمام الرازي ، وحكاه إمام الحرمين في " التلخيص " عن داود .

التالي السابق


الخدمات العلمية