صفحة جزء
المرتبة الخامسة : أن يقول رخص لنا . المرتبة السادسة : أن يقول من السنة كذا ، فالذي عليه الأكثرون أنه يفهم منه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فيكون حجة . قاله القاضي أبو الطيب : وهو ظاهر مذهب الشافعي ; لأنه احتج على قراءة الفاتحة بصلاة ابن عباس على عبادة وقرأ بها وجهر ، وقال : إنما فعلت لتعلموا أنها سنة ، وقال ابن السمعاني : إنه مذهب الشافعي . وقال ابن فورك : قال الشافعي في القديم : إنه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظاهر ، وإن جاز خلافه . وقال في الجديد : يجوز أن يقال ذلك على معنى سنة البلد ، وسنة الأئمة فلا نجعله أصلا حتى يعلم ، ولما عدل الصحابي عن الحكاية عن النبي صلى الله عليه وسلم لفظا إلى كلام آخر ، علم أنه إنما أراد أن يدلنا على أنه فهم ذلك المعنى من صريح قول النبي صلى الله عليه وسلم . ا هـ .

وقال سليم الرازي في " التقريب " : إن الشافعي نص عليه في القديم ، وتوقف فيه في الجديد ، فقال : هو محتمل ، وبه قال أبو بكر الصيرفي ، [ ص: 302 ] والمذهب الأول ، وهكذا حكاه المازري عن الشافعي في " شرح البرهان " ، فقال : اختلف قول الشافعي فقال في القديم : هو مرفوع في الظاهر . وقال في الجديد : هو محتمل ، ولم يره مسندا . وهكذا قال أبو الحسين بن القطان : اختلف قول الشافعي في قول الراوي : من السنة كذا ، فكان يقول في القديم : إنه يريد سنة النبي . قال : وعلى معنى قوله : أمرنا ونهينا ; لأن الظاهر أن هذا لا يكون إلا من النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن كان يجوز خلافه قال ذلك في دية المرأة إلى ثلث دية الرجل ، واحتج بأن قال : ورجع عن هذا في الجديد ، فقال : قد يجوز أن يقال سنة البلد ، وسنة الأمير ، وأمرنا الأمير ، وأمرنا الأئمة . فلا يجعل أصلا ، حتى يعلم جملته ، وقال عمر للصبي بن معبد : هديت لسنة نبيك ، وإنما أراد بذلك الحق من سنة النبي صلى الله عليه وسلم . انتهى .

وهكذا قال الصيدلاني في " شرح مختصر المزني " في باب أسنان إبل الخطأ : إنه حجة على القول القديم ، والجديد أنه ليس بحجة ، فعلى هذا : المسألة عندهم مما يفتى فيها على القديم ، وهو نوع غريب في المسائل الأصولية ، وإن كثر ذلك في الفروع . قلت : لكن نص الشافعي في " الأم " وهو من الكتب الجديدة على أنه حجة ، فقال في باب عدد الكفن بعد ذكر ابن عباس والضحاك ما نصه : قال الشافعي : وابن عباس والضحاك بن قيس رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . لا يقولان السنة إلا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ا هـ . وحينئذ [ ص: 303 ] فيصير في الجديد قولان ، والراجح أنه حجة ; لأنه منصوص عليه في القديم والجديد معا ، وقد سبق كلام القاضي أبي الطيب أيضا ، وقد جزم به الإمام الرافعي في كتاب التيمم في شرحه .

وقال النووي في مقدمة " شرح المهذب " : إنه المذهب الصحيح المشهود ، وجرى عليه الآمدي والإمام والمتأخرون . وشرط الحاكم وأبو نعيم في علومهما كون الصحابي معروفا بالصحبة ، وفيه إشعار أن من قصرت صحبته لا يكون كذلك ، وذهب الكرخي والرازي والصيرفي إلى أنه ليس بحجة ; لأن المتلقى من القياس قد يقال إنه سنة لإسناده إلى الشرع ، وذكر إمام الحرمين في " البرهان " أن عليه المحققين ، وجرى عليه ابن القشيري . وفي المسألة قول ثالث : أنه في حكم الوقوف ، ونقله ابن الصلاح والنووي عن الإمام أبي بكر الإسماعيلي . أما لو قال التابعي : من السنة كذا ، فظاهر نص الشافعي السابق أنه ليس في حكم المرفوع . ونقل الرافعي عنه في باب الإعسار بالنفقة أنه جعل قول سعيد بن المسيب في العاجز عن النفقة يفرق بينه وبين امرأته ، فحمل [ ص: 304 ] قول سعيد : سنة ، على سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك أخذ في القديم في المرأة تقابل الرجل إلى ثلث الدية بقول سعيد : من السنة . فقد تضافر قوله في القديم والجديد على ذلك ، لكن قال الصيدلاني في الجنايات : إن الشافعي كان يرى أن ذلك مرفوع إذا صدر من الصحابي والتابعي ، ثم رجع عنه ; لأنهم قد يطلقونه ، ويريدون سنة البلد . انتهى . فتلخص فيها ثلاثة أقوال . وأطلق ابن السمعاني أن قول الراوي : من السنة كذا ، حجة في مذهب الشافعي . قال : ثم إن كان الراوي صحابيا وجب العمل به ، وإن كان تابعيا كانت روايته مرسلة ، فحكمها حكم المراسيل ، وكذا قال القاضي أبو الطيب في " شرح الكفاية " : قول التابعي من السنة كذا في حكم المراسيل ، إن كان قائله سعيد بن المسيب فهو حجة ، وإلا فلا .

وعنه في باب صلاة الجمعة والعيدين من تعليقه حكاية وجهين أصحهما وأشهرهما أنه موقوف على بعض الصحابة . وثانيهما : أنه مرفوع مرسل . وقال بعض شراح " اللمع " : إن كان قائله صحابيا فهو حجة ، وإن كان غيره من التابعين ، فإن كان غير سعيد بن المسيب فليس بحجة قطعا ، وإن كان سعيد بن المسيب فهو حجة على المذهب . وكذا حكى ابن الصباغ في العدة " الوجهين في قول سعيد خاصة الخلاف في قبول مرسله . وقال ابن عبد البر في " التقصي " : إذا أطلق الصحابي السنة ، فالمراد به سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك إذا أطلقها غيره ما لم تضف إلى صاحبها ، كقولهم : سنة العمرين ، ونحو ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية