صفحة جزء
[ ص: 101 ] [ الركن الثاني ] : حكم الأصل

وقد مر تعريف الحكم في أول الكتاب : وقال ابن السمعاني ، تبعا للشيخ في " اللمع " : الحكم ما تعلق بالعلة في التحليل والتحريم والإسقاط ، وهو إما مصرح به كقوله : فجاز أن يجب كذا ، أو فوجب أن يجوز كذا ، أو مبهم . وهو على ثلاثة أضرب .

أحدهما : أن يقول : فأشبه كذا ، مثل أن يقول : شراب فيه شدة مطربة فأشبه الخمر . واختلفوا فيه ، فقيل بالمنع ، لأنه حكم مبهم ، والأصح عند الجدليين الصحة ، لأن المراد به فأشبه كذا في الحكم الذي وقع السؤال عنه ، وذلك شيء معلوم بين السائل والمسئول فيجب أن يمسك عن بيانه اكتفاء بالمعلوم الموجود بينهما .

الثاني : أن تذكر العلة ولا يصرح بالحكم الذي سأل عنه ، بل يعلق على العلة التسوية بين حكمين ، كقولنا في إيجاب النية في الوضوء : طهارة فيستوي جامدها ومائعها في النية كإزالة النجاسة ، فمن أصحابنا من قال : لا يصح ، لأنه يريد التسوية بينهما في الأصل في إسقاط النية ، وفي الفروع في إيجابها ، وهما حكمان متضادان ، والقياس أن يشبه حكم الشيء من نظيره لا من ضده ، ومنهم من قال : إنه صحيح ، وهو الأصح ، لأن حكم العلة هو التسوية بين المائع والجامد في النية والتسوية بينهما في النية موجود في الأصل فصح القياس عليه ، وإنما يظهر ذلك الاختلاف في التفصيل وليس ذلك بحكم عليه حتى يصير فيه الاختلاف . وحكى شارح " اللمع " عن بعض المتأخرين منا الوجهين هنا على الوجهين الأولين . [ ص: 102 ] وقال أبو الحسن السهيلي في " أدب الجدل " : اختلفوا في القياس إذا كان حكمه التسوية بين حكم وحكم ، كقول الشافعي في إزالة النجاسة بالمائع : إنه مائع فوجب أن يستوي فيه الطهارة عن الحدث وإزالة النجاسة ، قياسا على الماء والزعفران والبول والمرقة وغير ذلك ، فقيل : إنه فاسد ، لأن حكمه مجهول لا يوقف عليه ، وقيل : إن كانت التسوية بينهما في الإثبات أو النفي ، سواء الأصل والفرع فهو قياس صحيح ، وإن كانت التسوية بينهما في الأصل أو الفرع في الإثبات ، أو في الفرع في النفي وفي الأصل في الإثبات لا يجوز ، لأننا في الأولى نقيس الشيء على نظيره ومثله ، وفي الثانية نقيسه على ضده ونقيضه فامتنع . وقيل : إن ابتدأ المسئول بهذه العلة جاز ، وإن قلبها على خصمه بمثلها لم يجز . وقيل : يجوز مطلقا ، وهو الأصح ، ثم اختلف القائلون به في أنه إذا قابل قياسا لم يكن حكمه التسوية بين حكم وحكم ، فقيل : القياس الذي لم يكن حكمه التسوية أولى ، لأنه مصرح بالحكم ويتوصل به إلى إثبات الحكم من غير درجة أخرى فيخالف قياس التسوية . وقيل : قياس التسوية أولى لأن فيه التشبيه أكثر . قال : وقد ذكر هذه الطريقة الشيخ الإمام سهل الصعلوكي في بعض المناظرات . والأول أظهر انتهى .

الثالث من الأضرب : أن يكون حكم العلة إثبات التأثير بمعنى ، كقولنا في كراهة السواك للصائم بعد الزوال : خلافا لأبي حنيفة ، لأنه تطهير يتعلق بالفم من غير نجاسة ، فوجب أن يكون للصوم فيه تأثير كالمضمضة ، فإن هذا حكم صحيح ، والقصد بالعلة إثبات حكم التأثير على الجملة .

التالي السابق


الخدمات العلمية