صفحة جزء
السابع عشر : إن كانت مستنبطة فالشرط أن لا يرجع على الأصل بإبطاله أو إبطال بعضه ، لئلا يفضي إلى ترك الراجح إلى المرجوح ، إذ الظن المستفاد من النص أقوى من المستفاد من الاستنباط ، لأنه فرع لهذا الحكم ، والفرع لا يرجع على إبطال أصله ، وإلا لزم أن يرجع إلى نفسه بالإبطال . ومن ثم ضعف مدرك الحنفية في تأويلهم قوله : { في أربعين شاة شاة } أي قيمة شاة ، لأن القصد دفع الحاجة أو القيمة ، فإن هذا يلزم منه أن لا تجب الشاة أصلا ، لأنه إذا وجبت القيمة لم تجز الشاة فلم تكن مجزئة وهي مجزئة بالاتفاق . هكذا مثلوا به ، ونازع فيه الغزالي من جهة أن من أجاز القيمة فهو مستنبط معنى معمم ، لا مبطل ، لأنه لا يمنع إجزاء الشياه . وفيه ثلاثة أجوبة :

أحدها : أن استنباط القيمة ألغى تعلق الزكاة بالعين ابتداء الذي عليه الدليل ، وهذا معنى الإبطال أي إبطال التعلق .

الثاني : أنه ألغى تعيينها ، من بنت المخاض أو بنت اللبون أو حقة أو جذعة ، وصير الواجب جائزا .

لأنه إن كانت القيمة هي الواجب لم تكن الشاة واجبة ولا يلزم وجوبها ولا قائل به . [ ص: 194 ]

الثالث : يقال : وإن أجزأت الشاة لكن من حيث لم يخص الأجزاء بها فبطل لفظ { في أربعين شاة شاة } وليست القيمة أعم من الشاة .

ومن مثله أيضا مصير بعض المالكية إلى الاكتفاء في إتباع رمضان بصوم ستة أيام من غير شوال ، نظرا لمعنى تكميل السنة . وهذا يبطل خصوص شوال الذي دل عليه النص . وكذا قوله { ذكاة الجنين ذكاة أمه } فإن الخصوم يقدرون فيه " مثل " ذكاة أمه ، وهذا التقدير يرفع ، لكونه غير محتاج إليه ، لإمكان صحة الكلام بدونه لأن الجنين إذا احتيج إلى ذكاته فذكاته كغيره من الحيوانات لا خصوصية لأمه . ثم إن كل واحد يعرف أن ذكاته كذكاتها فلا يكون اللفظ مفيدا ألبتة . ولا يقال : للشافعي قول يقتضي الجواز حيث جوز الإمعان في غسلات الكلب ، نظرا إلى أن المعنى في التراب الخشونة المزيلة . وهذا يبطل خصوص التراب ، لأنا نقول : هو على هذا القول عاد على أصله بالتعميم ، لأنه جعل العلة الاستظهار ، وهي أعم من الجمع بين الطهورين . [ ص: 195 ]

وقال الهندي : هذا الشرط صحيح إن عنى بذلك إبطاله بالكلية ، فأما إذا لزم فيه تخصيص الحكم ببعض الأفراد دون البعض فينبغي أن يجوز ، لأنه كتخصيص العلة لحكم نص آخر وهو جائز ، فكذا هذا ، وإن كان بينهما فرق لطيف لا ينتهي إلى درجة أن لا يجوز بذلك معه . انتهى .

وهذا الذي توقف فيه ولم يظفر فيه بنقل قد وجدت النقل بخلافه في كتاب الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني وتلميذه أبي منصور البغدادي ، فشرطا في العلة : أن لا يرجع على أصلها بالتخصيص ، خلافا للحنفية ، فإنهم اعتلوا لتحريم التفاضل في البر والشعير بالكيل ، لأن النص الوارد بتحريم التفاضل فيهما شامل للقليل والكثير منهما ، والكيل يخص الكثير دون القليل ، فهذه العلة توجب في القليل من أصلها ضد ما أوجبه النص في ذلك . ولا يجوز أن تكون العلة المنتزعة من أصل مخصصة لأصلها وإن جاز تخصيص اسم آخر غير أصلها بها . انتهى : واعلم أن في عودها على الأصل بالتخصيص قولين للشافعي وغيره وسبقت في باب العموم .

التالي السابق


الخدمات العلمية