صفحة جزء
الرابع والعشرون : إن كانت متعدية أي توجد في غير الأصل فيشترط فيها أن لا يكون التعليل في المحل ولا جزءا منه ولا يتصور تعديتها بخلاف القاصرة ، فإنه يجوز فيها ذلك . هذا هو المختار عند الرازي وابن الحاجب . وقيل : يجوز أن يعلل بالمحل وجزئه فيهما . وقيل : يمتنع فيهما ونسب للأكثرين . وقال الآمدي : يجوز بجزء المحل دون المحل ، وليس هذا في الحقيقة مذهبا ثالثا ، كما يوهم صاحب " البديع " وغيره ، لأن مراده بالجزء ( العام ) بدليل قوله بعد ذلك : وأما الجزء فلا يمتنع التعليل به لاحتمال عمومه للأصل والفرع . وهذا بخلافه . وقال الهندي : الحق أنه مبني على جواز تعليل الحكم بالعلة القاصرة فإن جوز ذلك جاز هذا ، سواء ثبت عليته بنص أو بغيره ، إذ لا يبعد أن يقول الشارع : حرمت الربا في البر لكونه برا أو يعرفه مناسبة محل الحكم له لاشتماله على حكمة داعية له ، ولا نظر إلى أن يقال : لو جاز ذلك لكان الشيء الواحد قابلا وفاعلا ، لأنا لا نسلم استحالة ذلك ، واستحالته مبنية على أن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد ، وهو باطل قطعا وإن يجوز التعليل بالقاصرة ، لم يجوز هذا ، لأن محل الحكم وجزأه الخاص [ ص: 199 ] يستحيل أن يوجد في غيره .

واعلم أن هذه المسألة منقولة عن مسألة مشهورة بين المتكلمين والفلاسفة ، وهي أن الواحد من جميع الوجوه لا يصدر عنه أكثر من واحد إلا إذا تعددت القوابل . وبنوا عليه ترتيب الموجودات ، فإنهم قالوا : أقل ما صدر من الواجب لذاته شيء واحد وهو المسمى بالفلك الأول عندهم ، ثم صدر من الفلك الأول عقل ونفس ، ثم بنوا على هذا الأصل الفاسد فاسدا آخر ، وهو أنه لا يجوز أن يكون لواجب الوجود صفة وجودية قائمة بذاته ، وإلا لكان فاعلا لها وقابلا لها وهو محال ، وذلك لأن الفعل والقبول أمران مختلفان ، والواحد لا يصدر عنه إلا واحد وهو من باب تفريع الفاسد على الفاسد .

التالي السابق


الخدمات العلمية