صفحة جزء
[ ص: 270 ] الثالث - التحسيني :

وهو قسمان : منه ما هو غير معارض للقواعد ، كتحريم القاذورات ، فإن نفرة الطباع عنها لقذارتها معنى يناسب حرمة تناولها ، حثا على مكارم الأخلاق ، كما قال تعالى : { ويحرم عليهم الخبائث } وحمله الشافعي على المستحب عادة على تفصيل . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : { بعثت لأتمم مكارم الأخلاق } رواه البيهقي في سننه . و ( منه ) : إزالة النجاسة ، فإنها مستقذرة في الجبلات ، واجتنابها أهم في المكارم والمروآت ، ولذا يحرم التضمخ بها على الصحيح من غير حاجة . قال الإمام في البرهان : والشافعي نص على هذا في الكثير . ثم إنه في النهاية في الكلام على وطء الأمة في دبرها قال : لا يحرم . و ( منه ) : إيجاب الوضوء ، لما فيه من إفادة النظافة ، إذ الأمر بها في استغراق الأوقات مما يعسر فوظف الوضوء في الأوقات وبنى الأمر على إفادته المقصود ، وعلم الشارع أن أرباب العقول لا يعتمدون فعل الأوساخ والأدران إلى أعضائهم البادية منهم فكان ذلك النهاية في الاستصلاح . [ ص: 271 ] قال الإمام : وإزالة النجاسة أظهر في هذا من النظافة الكلية المرتبة على الوضوء من حيث إن الجملة تستقذرها ، والمروءة تقتضي اجتنابها ، فهي أظهر من اجتناب الشعث والغمرات . ( قال ) : ولهذا جعل الشافعي الوضوء بالنية من حيث التحق بالعادات العرية عن الأعراض وضاهى العبادات الدينية .

و ( منه ) سلب العبد أهلية الشهادة ، لأنها منصب شريف ، والعبد نازل القدر ، والجمع بينهما غير ملائم . وهذا استشكله ابن دقيق العيد ، لأن الحكم بالحق بعد ظهور الشاهد واتصاله إلى مستحقه ودفع اليد الظالمة عنه من مراتب الضرورة ، واعتبار نقصان العبد في الرتبة والمنصب من مراتب التحسين ، وترك مرتبة الضرورة رعاية لمرتبة التحسين بعيدا جدا . نعم ، لو وجد لفظ يستند إليه في رد شهادته ويعلل هذا التعليل لكان له وجه . فأما مع الاستدلال بهذا التعليل ففيه هذا الإشكال . وقد تنبه بعض أصحاب الشافعي لإشكال المسألة فذكر أنه لا يعلم لمن رد شهادة العبد مستندا أو وجها . وأما سلب ولايته فهو في محل الحاجة إذ ولاية الأطفال تستدعي استغراقا وفراغا ، والعبد مستغرق بخدمة سيده ، فتفويض أمر الطفل إليه إضرار بالطفل . أما الشهادة فتتفق أحيانا ، كالرواية والفتوى . و ( منه ) ما هو معارض كالكتابة ، فإنها من حيث كونها مكرمة في العوائد ما احتمل الشرع فيها خرم قاعدة ممهدة ، وهي امتناع معاملة السيد عبده وامتناع مقابلة الملك بالملك على سبيل المعاوضة . نعم ، هي جارية على قياس المالكية في أن العبد يملك . وزعم إمام الحرمين أنها خرجت عن قياس الوسائل عندهم ، لأنهم أوجبوها مع أنها وسيلة إلى العتق الذي لا يجب . وهو غير مستقيم ، لأنها عندهم غير واجبة . لكنهم مع ذلك يقدرون خروجها عن القياس واشتمالها على شائبتي معاوضة وتعليق ، على خلاف قياسهما . [ ص: 272 ] وهذا القسم كله يتعلق بالدنيا ، وقد يتعلق بالآخرة ، كتزكية النفس ورياضتها وتهذيب الأخلاق المؤدية إلى امتثال الأمر واجتناب النهي . وقد يتعلق بالدارين ، كإيجاب الكفارات ، إذ يحصل بها الزجر عن تعاطي الأفعال الموجبة لها ، وتحصيل تلافي الذنب الكبير . وفائدة مراعاة هذا الترتيب أنه إذا تعارض مصلحتان وجب إعمال الضرورة المهمة وإلغاء التتمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية