صفحة جزء
المناسبة تنقسم باعتبار شهادة الشرع لها بالملائمة والتأثير وعدمها إلى ثلاثة أقسام ، لأنه إما أن يعلم أن الشارع اعتبره ، أو يعلم أنه ألغاه ، أو لا يعلم واحد منهما . [ ص: 273 ] القسم الأول ما علم اعتبار الشرع له

والمراد بالعلم الرجحان ، والمراد بالاعتبار إيراد الحكم على وفقه ، لا التنصيص عليه ولا الإيماء إليه ، وإلا لم تكن العلية مستفادة من المناسبة ، وهو المراد بقولهم : شهد له أصل معين . قال الغزالي في شفاء العليل " : المعنى بشهادة أصل معين للوصف أنه مستنبط منه ، من حيث إن الحكم أثبت شرعا على وفقه . وله أربعة أحوال ، لأنه إما أن يعتبر نوعه في نوعه أو في جنسه ، أو جنسه في نوعه أو جنسه .

الحالة الأولى : أن يعتبر نوعه في نوعه : من خصوص الوصف في خصوص الحكم ، وعمومه في عمومه ، كقياس القتل بالجارح على المثقل في وجوب القصاص ، بجامع كونه قتلا عمدا عدوانيا ، فإنه قد عرف تأثير خصوص كونه قتلا عمدا عدوانا في خصوص الحكم ، وهو وجوب القصاص في النفس في المحدد . وهذا القسم يسمى بالمناسب الملائم ، وهو متفق عليه بين القياسيين .

الحالة الثانية : أن يعتبر نوعه في جنسه : كقياس تقديم الإخوة الأشقاء على الإخوة من الأب في النكاح على تقديمهم عليهم في الإرث والصلاة ، فإن الإخوة من الأب والأم نوع واحد في الصورتين ، ولم يعرف تأثيره في التقديم في ولاية النكاح ، لكن عرف تأثيره في جنسه وهو التقدم عليهم فيما يثبت لكل واحد منهم عن عدم الأمر ، كما في الإرث والصلاة . وهذا القسم دون ما قبله ، لأن المقارنة بين المسألتين بحسب اختلاف المحلين أقل من المقارنة بين نوعين مختلفين .

الحالة الثالثة : أن يعتبر جنسه في نوعه : كقياس إسقاط القضاء عن الحائض على إسقاط قضاء الركعتين [ ص: 274 ] الساقطتين عن المسافر ، بتعليل المشقة والمشقة جنس ، وإسقاط قضاء الصلاة نوع واحد يستعمل على صنفين : إسقاط قضاء الكل ، وإسقاط قضاء البعض ، وقد ظهر تأثيرها في هذا النوع ضرورة تأثيرها في إسقاط قضاء الركعتين . وهذا والذي قبله متقاربان ، لكن هذا أولى ، لأن الإيهام في العلة أكثر محذورا من الإيهام في المعلول .

الحالة الرابعة : اعتبار جنس الوصف في جنس الحكم : وهو كتعليل كون حد الشرب ثمانين ، فإنه مظنة القذف ضرورة أنه مظنة الافتراء ، فوجب أن يقام مقامه ، قياسا على الخلوة ، فإنها لما كانت مظنة الوطء أقيمت مقامه في الحرمة . وهذا القسم كالأول . ولقائل أن يقول : كان الوفاء بإقامة المظنة مقام المظنون وجوب الحد بالخلوة ، ولا قائل به .

التالي السابق


الخدمات العلمية