صفحة جزء
مسألة المناسبة هل تنخرم بالمعارضة ؟

هذا على قسمين : [ ص: 281 ]

أحدهما : أن يأتي بمعارض يدل على انتفاء المصلحة فهو قادح بلا خلاف .

الثاني : أن يأتي بمعارض يدل على وجود مفسدة أو فوات مصلحة تساوي المصلحة أو ترجح عليها ، كما لو قيل في معارضة كون الوطء إذلالا بأن فيه إمتاعا ومدفعا لضرر الشبق ، فهل تبطل المناسبة ؟ فيه مذهبان :

أحدهما : نعم ، وعزي للأكثرين واختاره ابن الحاجب والصيدلاني ، لأن دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح ، ولأن المناسبة أمر عرفي ، والمصلحة إذا عارضها ما يساويها لم تعد عند أهل العرف مصلحة .

والثاني : اختاره الرازي والبيضاوي - أنها لا تبطل ، واختاره الشريف في جدله ، وربما نقل عن ظاهر كلام الشافعي . والمعنى من انخرامها وبطلانها هو أنه لا يقتضي العقل مناسبتها للحكم إذ ذاك ، فلا يكون لها أثر في اقتضاء الحكم ، لا أنه يلزم خلو الوصف عن استلزام المصلحة وذهابها عنه ، فإن ذلك لا يكون معارضا . واعلم أن النزاع إنما هو في اختلال المناسب المصلحي بمعارضة مثله أو أرجح منه في المفسدة ، أما العمل به فممنوع ممن أثبت اختلال المناسبة . وأما من لم يثبته تصرف في العمل به على ما سبق بالترجيح بينهما . والواجب هاهنا امتناع العمل به للزوم الترجيح بلا مرجح أو التزام المفسدة الراجحة ، فيستوي الفريقان في ترك العمل به ، لكن اختلفا في المأخذ ، فالأول يتركه لاختلال مناسبة الوصف والآخر يتركه لمعارضة المقاوم أو الراجح ، فترك العمل متفق عليه لكن طريقه مختلف فيه ، كذا قاله بعضهم . وقد حقق الأصفهاني الخلاف فقال : اعلم أن ذات الوصف مغايرة [ ص: 282 ] للمناسبة قطعا ، فإن كان المدعي أن ذات الوصف المصلحي تبطل إذا عارضتها مفسدة فليس كذلك ، فإن ذات الوصف أمر حقيقي لا تبطل بالمعارضة . وإن كان المدعي أن مناسبته تبطل ومعنى المناسبة اقتضاؤها للحكم واستدعاؤها له فالحق أنها تبطل . وإن شئت قلت : العمل بمقتضى المناسبة يستدعي سلامتها عن المعارض ، والمعنى بالمناسبة على هذا كون الوصف مصلحيا . واعلم أن الخلاف في هذه المسألة إنما يتجه من القائلين بعدم تخصيص العلة . أما من قال بتخصيصها فيقول ببقاء المناسبتين أو اجتماع جهتي المصلحة والمفسدة .

التفريع : إن قلنا : إنها تبطل التحق الوصف بالطرديات ولا يجوز التعليل به إلا بترجيح المصلحة على المفسدة ، كأن يقال : الحكم في الأصل مضاف إلى المصلحة الفلانية وهي راجحة على ما عارضها من المفسدة ، وإلا لزم الحكم مضافا إلى غير تلك المصلحة المرجوحة أو إلى مصلحة أخرى غيرها . أو لا يكون مضافا إلى شيء أصلا ، والكل باطل . وإن قلنا : لا تبطل بقي الوصف على مناسبته ويصح التعليل به ، ويحتاج المعارض إلى أصل يشهد له بالاعتبار .

التالي السابق


الخدمات العلمية