صفحة جزء
وهو ضربان :

أحدهما : أن يبدل ذلك الوصف الخاص بوصف عام ثم ينقضه عليه ، كقولنا في إثبات صلاة الخوف : صلاة يجب قضاؤها فيجب أداؤها كصلاة الأمن . فيعترض أن كونها صلاة لا أثر لها ، لأن الحج كذلك ، فلم يبق إلا الوصف العام وهو كونه عبادة ، فينكسر بصوم الحائض .

والثاني : أن لا يفعل ذلك ، بل يعرض عن ذلك الذي أسقطه بالكلية ، [ ص: 351 ] ويذكر صورة النقض ، كما لو أسقط في المثال قولنا : فيجب أداؤها ، إذ ليس كل ما يجب أداؤه يجب قضاؤه بدليل الحائض . قال الشيخ أبو إسحاق : وهذا القسم أكثر وقوعه في الوصف الذي لا يؤثر . وحاصله أن هذا الاعتراض راجع إلى عدم التأثير والنقض ، كقولنا في بيع الغائب مثلا : بيع مجهول الصفة عند العقد فلا يصح ، كما لو قال : بعتك عبدا . فيقول على الصورة الأولى : خصوص كونه بيعا لا أثر له ، لأن المرهون كذلك ، فبقي كونه عقدا الذي هو وصف يعمهما ، وهو منقوض بالنكاح . وعلى الثانية : لا أثر لكونه بيعا بدليل المرهون ، فسقط هذا الجزء ولم يبق إلا مجهولة الصفة . . . آخره . وهو منقوض بالنكاح .

وأما الآمدي وابن الحاجب فعرفا الكسر بوجود الحكمة المقصودة من شرع الحكم مع تخلف الحكم عنه ، فالنقض حينئذ تخلف الحكم عن العلة ، والكسر تخلفه عن حكمتها ، فهو نقض على معنى العلة دون لفظها ، أي الحكمة دون المظنة ، بخلاف النقض . كقول الحنفي في العاصي بسفره : مسافر فوجب أن يترخص ، كالطائع في سفره . ويتبين وجه مناسبة السفر بما فيه من المشقة فيقال : ما ذكرته من الحكمة ، وهي المشقة ، منتقضة بمشقة الحمالين وأرباب الصنائع الشاقة في الحضر ، ولا رخصة لهم . ثم ذكرا بعد ذلك النقض المكسور وهو النقض على بعض أوصاف العلة . ثم قالوا : واختلفوا في إبطالهما للعلية . والأكثرون على أنه غير مبطل . وقال ابن الحاجب : إنه المختار . وأما صاحب " المنهاج " فذكر الكسر فقط وعرفه بعدم تأثير أحدي المركب الذي ادعى المستدل عليته ونقض الآخر وهو ظاهر كلامه في " المحصول " ، وعدوه من قوادح العلية . قال الهندي : وهو مردود عند الجماهير إلا إذا بين الخصم إلغاء القيد ، ونحن لا نعني بالكسر إلا إذا بين ، أما إذا لم يبين فلا خلاف أنه مردود ، وأما إذا بين موضع النزاع فالأكثرون على أنه قادح . وقول الآمدي : والأكثرون على [ ص: 352 ] أنه غير قادح مردود .

قال الشيخ أبو إسحاق في " التلخيص " : اعلم أن الكسر سؤال مليح ، والاشتغال به ينتهي إلى بيان الفقه وتصحيح العلة . وقد اتفق أكثر أهل العلم على صحته وإفساد العلة به ، ويسمونه : النقض من طريق المعنى ، والإلزام من طريق الفقه . وأنكره طائفة من الخراسانيين . قلت : وابن الصباغ - وقالوا : لا يبطل العلية : لأنه لا يمكن إلا بأن يغير العلة أو يبدل لفظها بغيره ، أو يسقط وصفا من أوصافها . وهذا لا يلزم ، لجواز تعلق الحكم بالمعنى المذكور ولا يتعلق بما غيره السائل وبدله ، بدليل أن العلة شرعية ، وله أن يجعل معنى على صفة علة في حكم صحيح ، لأن الكسر نقض ، ولا يجعل علة على صفة أخرى ، فلا يجوز إلزام أحد الأمرين على الآخر .

قال الشيخ : وهذا غير صحيح ، لأن الكسر نقض من حيث المعنى ، فهو بمنزلة النقض من طريق اللفظ . وأيضا فإن ما أوجده من المعنى مثل المعنى الذي علل به ، وإذا لم يتعلق بذلك المعنى الموجد دل على عدم تعلقه بالمعنى الذي ذكره . ثم ذكر أنه لا بد في سؤال الكسر من حذف وصف من الأصل ، أو إبداله بغيره . كما في مسألة بيع الغائب ، فإنه حذف خصوص كونه بيعا وإبداله في النكاح ، والنظر في خصوص الأوصاف وحذف ما حذف منها وإبداله موضعه الفقه . وعلى هذا فلا يتوجه السؤال إلا إذا كان المحذوف غير مؤثر ، وإلا لم يجز حذفه . وإذا كان الحذف غير مؤثر فالمجموع من حيث هو مجموع غير مؤثر . وإذا حذف وصفا اعتقده غير مؤثر لم يرد النقض إلا على الباقي .

قال ابن برهان : الكسر سؤال صحيح عند العراقيين . وقال [ ص: 353 ] الخراسانيون : باطل وقال في " المنخول " : قال الجدليون : الكسر يفارق النقض فإنه يرد على إخالة لا على عبارته ، والنقض يرد على العبارة

( قال ) : وعندنا لا معنى للكسر ، فإن كل عبارة لا إخالة فيها فهي طرد محذوف ، والوارد على الإخالة نقض . ولو أورد على أحد الوصفين مع كونهما مخيلين فهو باطل لا يقبل . نعم ، تردد القاضي في أن المعلل هل يجوز له الاحتراز عن المسألة المستثناة عن القياس بطرد أم لا ؟ قال : ويحتمل أن يقال : لا يحتاج إليه أصلا ، فإنه ليس بنقض ، ولو فعله استبان به فكان أحسن . ومذهبنا أن العلة منتقضة به ، فلا معنى للاحتراز بالطرد .

التالي السابق


الخدمات العلمية