صفحة جزء
مسألة

ومن فوائد الخلاف في أن " الفرق معارضة أو مقبول لنفسه " أنه إذا أبدى الفارق معنى في الأصل مغايرا لمعنى المعلل وعكسه في الفرع ، وربط به الحكم مناقضا لحكم العلة الجامعة . ففي اشتراط رد معنى الفرع إلى الأصل أقوال :

أحدها : أنه يحتاج أن يرد علة الأصل إلى الأصل ، وعلة الفرع إلى أصل . وذهب إليه طوائف من الجدليين . ونقل عن الأستاذ ، بناء منهم على أنه معارضة فينبغي اشتمالها على علة مستقلة ، وعلى أن الاستدلال المرسل مردود . فقال القاضي : مذهبي قبول الاستدلال ، ولو كنت من القائلين بإبطال الاستدلال لقبلته على أنه فرق ، بناء على القول الصحيح أنه يقبل لخاصيته وهو المناقضة ، وهذا يحصل من غير رد إلى أصل . وما أظهره الفارق لا أصل له . [ ص: 387 ]

والثاني : لا يحتاج إلى ذلك ، لا في الأصل ولا في الفرع ، ونسب للجمهور ، وهو اختيار الإمام والغزالي ، وبناه الإمام على أن المقصود قطع الجمع ، وذلك حاصل من غير أصل ، وبناه الغزالي على أن الاستدلال المرسل مقبول ، ونقل عن الشافعي ذلك في تفاصيل ذكرها في " المنخول " .

والثالث : يحتاج إلى ذلك في علة الفرع دون الأصل ، وهذا ما اختاره الشيخ أبو إسحاق ، أي إن كان الفرق بذكر وصف في الفرع انقطع ، فلا بد من أصل ، وإن كان في الأصل إذا عكسه في الفرع انقطع الجمع ولم يبق عليه الظن .

والرابع : التفصيل بين أن يرد الفرق على قياس الشبه فلا يحتاج إلى أصل ، وإن كان على قياس المعنى احتاج إليه .

والخامس : أن الفرق في الفرع إن كان يخل بحكمة السبب لا يفتقر إلى أصل ، وإن لم يخل افتقر إلى أصل ، لأن المقصود من إثبات الحكم تحصيل المصلحة . وقال الباجي : الأول هو الصحيح ، لأنه متى لم يرد كلا منها إلى أصل كان مدعيا في الأصل والفرع علتين واقفتين ، ومسلما لعلة المسئول ، وهي متعدية ، والمتعدية أولى من الواقفة ، فكأنه عارض المستدل بدون دليله ، وذلك لا يكفي في المعارضة ، لأن المستدل لو رجح دليله على معارضة السائل ببعض أنواع الترجيح لحكم له بالسبق . وممن حكى هذه المذاهب الباجي وأبو الخير بن جماعة في كتابه " الوسائل " .

فرع : فإن شرطنا رد معنى الفرع في الفرق إلى أصل ، فلو أبداه في الأصل فقيل : يلزمه رده إلى أصل آخر ، فيحتاج الفرع والأصل إلى أصلين ، لأنهما معنيان . وقيل : لا يلزمه ، بناء على ما سبق ، لأن الغرض مضادة الجامع فيهما كالمعنى الواحد ، ولو قلنا بالاحتياج إلى أصل لقبلنا [ ص: 388 ] المعارضة في ذلك الأصل بأصل آخر ويستمر الأمر كذلك ، وهو باطل . هذا إذا أبدى معنى في الأصل وعكسه في الفرع . فلو عكس الفارق في الفرع معنى الأصل فلم يناقض فقه العكس فقه الجمع ، أو ناقضه على بعد ، فاحتاج إلى مزيد في الفرع ، فاختلف الجدليون فيه : فمن اعتقد الفرق معارضة لم يمنع الزيادة . ومن قال : إنما هو معنى يضاد الجامع اكتفى بثبوته في الأصل ونفيه في الفرع ، وهذه الزيادة في الفرع ليس لها في جانب الأصل ثبوت ، فلا حاجة إليها .

التالي السابق


الخدمات العلمية