صفحة جزء
الحادي عشر : المنع

قال ابن السمعاني : الممانعة أرفع سؤال على العلل . وقيل : إنها أساس المناظرة وبه يتبين العوار ( انتهى ) . ويتوجه على الأصل والفرع : أما الأصل فمن وجوه :

أحدها - منع كون الأصل معللا : بأن الأحكام تنقسم بالاتفاق إلى ما يعلل وإلى ما لا يعلل ، فمن ادعى تعليل شيء كلف بيانه . وقد اختلف في هذا فقال إمام الحرمين : إنما يتجه على من لم يذكر تحريرا ، فإن الفرع في العلة المجردة يرتبط بالأصل بمعنى الأصل . قال إلكيا : هذا الاعتراض باطل ، لأن المعلل إذا أتى بالعلة لم يكن لهذا السؤال معنى ، وقبل العلة لا يكون آتيا بالدليل إلا أن يبقى ( تقسيما وسبرا ) . [ ص: 404 ] وقال المقترح : التحقيق أن المنع كون الأصل معللا لا يرد ، لأنه لا يخلو إما أن يحرر المستدل العبارة أم لا ، فإن لم يحررها لم يرد عليه المنع ، لأن المنع إنما يرد على مذكور ، وهو لم يذكر شيئا ، بل قوله : أجمعنا على تحريم الخمر فليحرم النبيذ ، فهذا ليس بدليل ، فلا يتجه منع كون الأصل معللا ، بل لا يخاطب حتى يصرح بالجامع . وإن حرر فلا يخلو : إما أن يسلم له كون ما ادعاه علة أو لا . فإن سلم لزم من ذلك كون الأصل معللا ، وإن لم يسلم لم يرد عليه ، فيرد عليه منع كون الوصف علة لا منع كون الأصل معللا .

وقال ابن المنير في منع كون الأصل معللا : هل يقبل أم لا ؟ مبني على قاعدة مختلف فيها ، وهي أنا : هل نحتاج في كل صورة إلى دليل خاص على أن الحكم فيها معلل ؟ أو يكتفى بالدليل العام على أن الأحكام معللة . والحق هو الثاني ، لاستقرار الإجماع على أن الأصل في الأحكام التعليل ، فالمطالبة بكون الحكم معللا على هذا القول كالمطالبة بكون القياس الصحيح حجة ، فهذه القاعدة هي المسقطة لهذا الاعتراض . لا ما ذكره الإمام أن المسقطة له الكفاية عنه بتصحيح العلة المعينة ، فمتى صحت لزم كون الحكم معللا ضرورة لزوم المطلق المقيد ، لأنا نقول : المصحح لكون الوصف علة مثلا ، المناسبة والجريان ، لا بالذات ، ولكن بالشرع ولا يلزم من المناسبة والجريان كون المناسبة علة ، فلا يلزم حينئذ كون الحكم معللا لولا قيام الإجماع على تعليل الأحكام بالأوصاف المقارنة لها بشرطها .

الثاني - منع ما يدعيه الخصم أنه علة كونه علة ، بعد تسليم التعليل ، ويسمى المطالبة أي بتصحيح العلة . وإذا أطلقت المطالبة في عرف الجدليين فمرادهم هذا ، وحيث أريد غيرها ذكرت مقيدة ، فيقال : المطالبة بوجود الوصف أو ثبوت الحكم في الأصل ، ونحوه . ووجه الاعتراض به أن من الناس من يتمسك بما لا يصلح كونه علة ، فيجعله كالتمسك بالطرد [ ص: 405 ] أو بالنفي . قال ابن السمعاني : وهي عائدة إلى محض الفقه ، وبها يتبين المحقق من الفقهاء وغيرهم . وقال الآمدي : هو أعظم الأسئلة الواردة على القياس ، لعموم وروده على كل وصف ، واتساع طرق إثباته وتشعبها . وقد اختلف فيه . والمختار قبوله ، فإن الحكم لا بد له من جامع هو علة . واحتج الآخرون بأنه لو قبل لاستدل عليه بما يمكن منع المناسبة فيه ، ويتسلسل وبأنا لو لم نجد إلا هذه العلة فعلى المعترض القدح فيها وبأن الاقتران دليل العلية . وأجيب عن ( الأول ) بأنه إذا ذكر ما يفيد ظن التعليل وجب التسليم ولا يتسلسل . وعن ( الثاني ) الطعن بالاستقراء . وعن ( الثالث ) منع الاكتفاء بالاقتران ، بل لا بد من المناسبة . تنبيهان

الأول : أطلق الجدليون هذا المنع ، وينبغي تقييده - كما قاله ابن المنير - بما إذا لم تكن العلة حكما شرعيا ، فإن كانت وجوزنا بها ، فمنع المعترض وجود الحكم المنصوب علة اتجه في قبول الاستدلال عليه الخلاف الآتي في الاستدلال على حكم الأصل إذا منعه .

والثاني : أن المعترض لا يمكن من تقرير العلة بالاستدلال على نقيض ما ادعاه المستدل ، ولا يجري فيه الخلاف السابق في المنع . والفرق أن صيغة المطالبة بتصحيح الوصف لا تتضمن إنكارا ولا تسليما ، بخلاف المنع فإن المانع جازم ينفي ما ادعاه المستدل ، فكان لتقريره وجه ، نعم ، لو أورد هذا السؤال بصيغة المنع كقوله : لا أسلم أن هذا الوصف علة ، جاء الخلاف ، فيمكن من التقرير على أحد القولين ، وهو أمر اصطلاحي لا يتعلق به فقه والقياس أن المنع والمطالبة متساويان ، لأن المقصود لكل منهما التماس ، فما جرى في أحدهما جرى في الآخر . [ ص: 406 ]

فصل

قال الغزالي : مجموع ما رأيت أهل الزمان يقولون عليه على دفع هذا السؤال سبعة مسالك :

الأول - قول بعضهم : القياس رد فرع منازع فيه إلى أصل متفق عليه بجامع ، وقد حصل . قلنا : لكن بشرط أن يغلب الجامع ظن صحته ، إما بإخالة أو شبه معتبر ، ولم يوجد .

الثاني - قولهم : عجز المعترض عن إبطال العلة دليل على صحتها ، وهو باطل للزومه صحة كل دليل وجد فيه عجز المعترض .

الثالث - قول بعضهم : إني بحثت وسبرت فلم أجد غير هذا الوصف علة . قلنا : ذلك لا يوجب علما ولا ظنا بالعلية .

الرابع - قول بعضهم : لو قبل سؤال المطالبة لتسلسل ، فإنه ما من دليل يذكره المستدل إلا ويتوجه عليه المطالبة . قلنا : إذا بين أن أصل قياسه مجمع عليه ، وأن علته ثابتة بطريق معتبر انقطعت عنه المطالبة ، أما ما دام متحكما بالدعوى فلا .

الخامس - قول بعضهم : حاصل هذا السؤال يرجع إلى منازعة في علة الأصل ، وعلة الأصل ينبغي أن تكون متنازعا فيها ، حتى يتصور الخلاف في الفرع . قلنا : لسنا نطالبك بعلة متفق عليها ، بل بأن تنصب دليلا على مدعاك ولا تقتصر على التحكم .

السادس - قول بعضهم : الذي ذكرته شبه ، والشبه حجة . قلنا : فعليك بيان الشبه . [ ص: 407 ]

السابع - قول بعضهم : الدليل على علية الجامع اطرادها وسلامتها عن النقض . قلنا : لا نسلم أن الطرد حجة ( انتهى ) . وإنما الطريق في جوابه الاستدلال على تصحيح العلة بطريق من طرقها . الثالث - منع الحكم في الأصل : كقولنا في إزالة النجاسة : مائع لا يرفع الحدث فلا يزيل حكم النجاسة ، كالدهن . فيقول : لا نسلم أن الدهن لا يزيل النجاسة بل يزيلها عندي . واختلف في أنه انقطاع للمستدل على مذاهب :

أحدها - أنه انقطاع : لأنه إن شرع في الدلالة على حكم الأصل كان انتقالا لمسألة أخرى ، وإن لم يشرع لم يتم دليله .

والثاني - أنه لا ينقطع إذا دل على محل المنع : جزم به إمام الحرمين إلكيا الطبري والبروي . وقال ابن برهان : إنه المذهب الصحيح المشهور بين النظار . واختاره الآمدي وابن الحاجب ، لأن دلالته تتميم لمقصوده لا رجوع عنه ، بل هو تثبيت ركن قياسه ، فهو حكم الأصل ، كما يبحث في تحقيق علة الأصل ، وبالقياس على منع سائر أركان القياس .

والثالث - إن كان المنع جليا فهو انقطاع ، أو خفيا ، أي يخفى على أكثر الفقهاء فلا ، لأنه معذور . وهو اختيار الأستاذ أبي إسحاق ، ونقل ابن برهان عنه في المنع : الظاهر أن يتقدم منه في صدر الاستدلال هذه الشريطة بأن يقول : إن سلمت وإلا نقلت الكلام إليه فلا ينقطع .

والرابع - يتبع عرف ذلك البلد الذي فيه المناظرة : فإن الجدل مراسيم ، فيجب اتباع العرف ، وهو اختيار الغزالي . [ ص: 408 ]

والخامس - إن لم يكن له مدرك غيره جاز القياس ، وإلا إن كان المنع خفيا لم ينقطع ، وإلا انقطع . واختارهالآمدي في غاية الأمل " . ثم إذا قلنا : لا ينقطع ، فهل يلزم إقامة الدليل على حكم الأصل ؟ قال الشيخ أبو إسحاق : لا ، فإنه يقول : إنما قست على أصلي وهو بعيد ، لأنه إن قصد إثباته لنفسه فلا وجه للمناظرة ، وإن قصد إثباته على خصمه فلا يستقيم منع منعه على حكم الأصل . ووهم ابن الحاجب فحكى عن الشيخ أبي إسحاق أنه لا يسمع ولا يفتقر إلى دلالة على محل المنع . والموجود في الملخص " وغيره للشيخ سماع المنع . ثم إذا قلنا : يلزمه الدليل ، فإن استدل بنص أو إجماع فذاك ، أو بقياس فإن كان بعين الجامع الأول ، فقيل : لا يصير منقطعا ، لأنه طول من غير فائدة . والصحيح خلافه ، لأنه قد يكون قصده إظهار فقه المسائل والتدريب فيها وتكثير الأصول الدالة على اعتبار الوصف .

وإن كان بغيره فقال البروي : يصير منقطعا ، لأنه إن حققه في الفرع فقد انتقل إلى علة أخرى ، وإن لم يحققه فقد اعترف بالفرق بين الأصل والفرع . وذهب أبو الوليد الباجي وجماعة إلى أنه لا ينقطع ، لأن أكثر ما فيه أنه اعترف بأن الأصل الأول قد اجتمع فيه علتان ، ولا امتناع فيه . نعم ، يلزمه إثبات كل واحدة من العلتين : فإن أثبت ذلك تم له مقصوده ، وإن عجز انقطع حينئذ . ثم إذا قلنا : لا يعد منقطعا وله أن يقيم الدليل ، فإذا أقامه فاختلفوا في انقطاع المعترض ، فقيل : ينقطع حتى يسوغ له بعد ذلك الكلام لأنه يبين فساد المنع ، وحسما لباب التطويل . والمذهب الصحيح ما قاله ابن برهان وغيره : إنه لا ينقطع ، فإن قبول المنع إنما كان يدل المستدل الدليل على محل المنع ، فكيف يقنع منه بما يدعيه دليلا فيجب تمكين الخصم من [ ص: 409 ] الكلام عليه ، فإن عجز فعند ذلك ينقطع ( قال ) : فأما إذا أقام المستدل الدليل على إثبات الحكم الممنوع في الأصل فعدل المعترض عنه وأخذ يعترض ثانيا على الدليل المنصوب على الحكم في الفرع ، فهاهنا أجمعوا على أنه يعد منقطعا .

تنبيهان

الأول : هذا المنع إنما يكون فيما إذا قاس المستدل على مسألة خلافية فإنه لو قاس على مسألة إجماعية لم يمكن المعترض منع حكم الأصل ، لكونه على خلاف الإجماع ثم ليس كل خلافية يتوجه عليها هذا السؤال ، بل يختص بكل موضع لا يخرج المعترض بالمنع فيه عن مذهب إمامه ، لأن طريقة الجدليين أن كل واحد من المتناظرين لا بد أن ينتمي إلى مذهب معين حذرا من الانتشار . وفي " المحصول " : إن كان انتفاؤه مذهبا للمعلل والمعترض كان متوجها ، وكذا إن كان مذهب المعلل وحده . وإن كان مذهبا للمعترض وحده لم يقبل . وقسم ابن برهان المنع الصحيح إلى ثلاثة أقسام :

القسم الأول - يعلم أنه لا يختلف مذهب صاحب تلك المقالة في تلك المسألة . وله في الجواب طرق :

أحدها - أن يفسر كلامه بما يكون مسلما عند الخصم ، كاستدلال الحنفي في الإجارة تنفسخ بالموت ، لأنه عقد معاوضة ، فوجب أن يبطل : وأصله عقد النكاح - فيقول الشافعي : الحكم في الأصل ممنوع ، فإن عندي النكاح لا يبطل بالموت بل ينتهي . وليس كل ما ينتهي يبطل ، بدليل عقد الإجارة إذا انقضت مدته ينتهي ولا يبطل ، فإن قال المستدل : عنيت بقولي : فوجب أن يبطل ، أي يرتفع ولا يبقى قبل . [ ص: 410 ]

الثاني - أن يبين موضعا متفقا عليه ، كاستدلالنا في فرضية الترتيب في الوضوء : عبادة مشتملة على أفعال متغايرة فوجب أن يجب فيها الترتيب ، كالصلاة . فيقول الحنفي : الحكم في الأصل ممنوع ، فإن الترتيب عندي في الصلاة لا يجب ، بدليل أنه إذا ترك أربع سجدات في أربع ركعات يأتي بها دفعة واحدة بلا ترتيب . فطريقه أن يقول : أبين موضعا متفقا عليه من الصلاة يجب فيه الترتيب فأقيس عليه فأقول : أجمعنا أنه لو قدم السجود على الركوع لم يجز فأقيس عليه .

الثالث - أن ينقل الكلام إليه ، كاستدلالنا في التعفير من ولوغ الخنزير بأن هذا حيوان نجس العين ، فيجب غسل الإناء من ولوغه ، قياسا على الكلب . فيقول الحنفي : الحكم في الأصل ممنوع ، فإن عندي لا يجب التسبيع في غسل الكلب وجوابه أن ينتقل الكلام إليه ويبين أن هذا الحكم في الأصل منصوص عليه .

القسم الثاني - أن يعلم أن مذهبه مخالف : كاستدلالنا في الصرورة إذا حج عن غيره ، كما إذا أطلق الإحرام . فيقول الحنفي : الحكم في الأصل ممنوع ، فإن عن أبي حنيفة رواية أنه إذا أطلق لا ينصرف إليه .

القسم الثالث - أن لا يعرف المعترض مذهب صاحب المقالة في تلك المسألة : كاستدلال الحنفية في المشرك يسلم على خمس : أن هذا جمع محرم فوجب أن لا يتخير ، قياسا على ما إذا أسلمت المرأة تحت رجلين . فيقول الشافعي : أمنع الحكم في الأصل ، فإنه لا نص للشافعي في إسلامها عن زوجين ( قال ) ومن المنع الفاسد أن يمنع المعترض الحكم على وجه بعيد للأصحاب كاستدلالنا في جلد الكلب لا يدبغ ، لأنه نجس العين فلا يطهر بالدباغ على مذهب أبي يوسف . [ ص: 411 ]

التنبيه الثاني

قال إلكيا الطبري : حق السائل أن يكون منكرا غير مدع ، وليس له أن يدل ، فإنه ليس على المنكر إقامة البينة شرعا ، وعلى مثله بنيت المناظرة صونا للمقام عن الاختلاط ( قال ) : ويجوز للمستدل الانتقال من حكم إلى آخر بالعلة الأولى ، فإن العلة كافية في إثبات الحكم . نعم ، الانتقال من علة إلى علة أخرى فسخ لا يتعلق بمصلحة النظر . ( قال ) : وأجمعوا على أنه ليس للمسئول أن يدل على النقض ، فإن به ينتقل إلى مسألة أخرى خارجة عن مقصود السؤال . ونقل عن القاضي أبي بكر أنه جوز ذلك ، لأنه إذا ثبت النقض ثبت مطلوبه ، فالاختيار يدل على أنه خارج عن مصلحة المناظرة . وأما المنع في الفرع فلا يتوجه عليه إلا سؤال واحد ، وهو منع وجود علة الأصل فيه ، ويسمى ( منع الوصف ) ، فإن التعليل قد يقع بوصف مختلف فيه ، كقول الحنفي في مسألة الإيداع من الصبي : إنه مسلط على الاستهلاك ، فيمنع ، وقال : ليس بمسلط ، إذ الإيداع ليس بتسليط .

قال إلكيا : وهذا غير معنى الاعتبار ، لأن معنى الاعتبار مطالبة ترجع إلى الأصل لا إلى الفرع ( قال ) : وتبطل به المطالبة بالإخالة وإيضاح وجه الدلالة ، وهو من أقسام المنع . وقيل : إنه لا يتحقق بعد وجود التعليل ، وما يفرض قبله التعليل فليس باعتراض عليه .

قال إمام الحرمين : ومن الاعتراضات الصحيحة : طلب الإخالة ، وهو من أهم الأسئلة وأوقعها في الأقيسة المعنوية ، فمن ادعى معنى فعليه تبيين مناسبته للحكم واقتضائه له ، فإن عجز عن ذلك انقطع . وقال القاضي أبو بكر : ليس هذا من الأسئلة ، بل حق على المسئول أن يبدأ بإظهار الإخالة [ ص: 412 ] قبل المطالبة ، وإلا لم يكن آتيا بصورة القياس ، وسكوته عنه اقتصار على بعض العلة . نعم ، لو ضم إلى تعليله لفظا يشعر بالإخالة كفاه ذلك ، فإن وجه السائل طلبا كان قاصرا عن درك لفظ التعليل .

وقال ابن المنير : الخلاف في عد هذا من الاعتراضات مبني على أنه : هل يلزم المستدل بيان الإخالة قبل أن يسألها ؟ فالقاضي ألزمه ذلك ابتداء فسقط هذا السؤال ، وغير القاضي قنع منه بذكر المعنى المختل ، فإن لم يقررها توجه عليه . والحق مع القاضي ، بل لو شرع الخصم في سؤالها قبل بيانها كان جاهلا بحقه ، إلا أن القاضي طرد قوله فألزم المستدل دفع الاعتراضات المتوقعة ، ونحن لا نختار ذلك ، كما لا يلزم المدعي في الخصومة إذا عدل بينته أن تتعرض لنفي القوادح المتوقعة إلا إذا أتى الخصم بقادح كان للمدعي أن يدفعه فكذلك هاهنا . ( انتهى ) . والمختار أن المطالبة باعتبار كون الوصف علة تتضمن تسليم تحقيق الوصف ومناسبته ، ومقصوده استنطاق المسئول في تصحيح شهادة الاعتبار بما يعتمده من المسالك المتقدمة في إثبات العلة ، ليعترض على كل مسلك منها بما يليق به . وقد منع قوم صحة الجمع بين المطالبة والممانعة ، لما فيها من منع كون الوصف علة بعد تسليم الممانعة ضمنا . وفيه بعد ، إذ المعترض مطالب هادم غير معترض للحكم بإثبات أو نفي . وللسائل أن يجمع المنوع فيمنع حكم الأصل ويمنع الوصف في الفرع وفي الأصل . ويمنع كون الوصف علة أو يعكسه فيقول : لا أسلم الوصف في الفرع ولا في الأصل ولا الحكم في الأصل . وللمسئول دفعها بإبداء موضع مسلم في الأصل أو بإظهار المناسبة على شرطها ، وله النقل إلى الأصل إذا منع ، أو افتتاح الكلام فيه ابتداء إذا توقع المنع .

التالي السابق


الخدمات العلمية