صفحة جزء
دلالة الاقتران قال بها المزني وابن أبي هريرة والصيرفي منا ، وأبو يوسف من الحنفية ، ونقله الباجي عن نص المالكية قال : ورأيت ابن نصر يستعملها كثيرا وقيل : إن مالكا احتج في سقوط الزكاة عن الخيل بقوله تعالى : { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } فقرن في الذكر بين الخيل والبغال والحمير ، والبغال والحمير لا زكاة فيها إجماعا ، فكذلك الخيل وأنكرها الجمهور فيقولون : القران في النظم لا يوجب القران في الحكم ، وصورته أن يدخل حرف الواو بين جملتين تامتين كل منهما مبتدأ وخبر ، أو فعل وفاعل ، بلفظ يقتضي الوجوب في الجميع أو المعموم في الجميع ، ولا مشاركة بينهما في العلة ، ولم يدل دليل على التسوية بينهما ، كقوله تعالى : { كلوا من ثمره إذا أثمر ، وآتوا حقه يوم حصاده } وقوله : { فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم } .

[ ص: 110 ] ، وكاستدلال المخالف في أن استعمال الماء ينجسه بقوله عليه السلام : { لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة } لكونه مقرونا بالنهي عن البول فيه ، والبول فيه يفسده ، فكذلك الاغتسال فيه وهو غير مرضي عند المحققين ، لاحتمال أن يكون النهي عن الاغتسال فيه لمعنى غير المعنى الذي منع من البول فيه لأجله ولعل المعنى في النهي عن الاغتسال لا ترتفع جنابته ، كما هو مذهب الحصري من أصحابنا واحتج القائلون بها بأن العطف يقتضي المشاركة ، وقياسا على الجملة الناقصة إذا عطفت على الكاملة وأجيب بأن الشركة إنما وجبت في الناقصة لافتقارها إلى ما تتم به ، فإذا تمت بنفسها لا تجب المشاركة إلا فيما يفتقر إليه .

ويدل على فساد هذا المذهب قوله تعالى : { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار } فإن هذه الجملة معطوفة على ما قبلها ، ولا تجب [ ص: 111 ] للثانية الشركة في الرسالة وقوله تعالى : { كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده } والإيتاء واجب دون الأكل ، والأكل يجوز في القليل والكثير ، والإيتاء لا يجب إلا في خمسة أوسق ، ولأن الأصل في كل كلام تام أن ينفرد بحكمه ولا يشاركه فيه الأول ، فمن ادعى خلاف هذا في بعض المواضع فلدليل من خارج لا من نفس النظم أما إذا كان المعطوف ناقصا ، بأن لم يذكر فيه الخبر فلا خلاف في مشاركته للأول ، كقولك : زينب طالق وعمرة ، لأن العطف يوجب المشاركة ، وأما إذا كان بينهما مشاركة في العلة فيثبت التساوي من هذه الحيثية ، لا من جهة القران ، احتجاج أصحابنا أن اللمس حدث بقوله تعالى : { أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء } ومثله عطف المفردات ، واحتجاج الشافعي على إيجاب العمرة بقوله : { وأتموا الحج والعمرة لله } قال البيهقي : قال الشافعي رضي الله عنه : الوجوب أشبه بظاهر القرآن ، لأنه قرنها بالحج ، وقال القاضي أبو الطيب : قول ابن عباس إنها لقرينتها " إنما أراد بها لقرينة الحج في الأمر ، وهو قوله : { وأتموا الحج والعمرة } والأمر يقتضي الوجوب ، فكان احتجاجه بالأمر دون الاقتران وقال الصيرفي في شرح الرسالة " ، في حديث أبي سعيد : { غسل الجمعة على كل محتلم ، والسواك ، وأن تمس الطيب } فيه دلالة على أن الغسل غير واجب ، لأنه قرنه بالسواك والطيب وهما غير واجبين بالاتفاق وقال غيره : احتج الشافعي على أن الصلاة الوسطى الصبح من حيث قرانها بالقنوت في قوله : { والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين } .

[ ص: 112 ] ولم يحرم الأصحاب خطبة النكاح على المحرم مع أنها مقارنة للنكاح لقوله صلى الله عليه وسلم : { لا ينكح المحرم ولا يخطب } قال صاحب الوافي " : ولأصحابنا في الأصول وجه أن ما ثبت من الحكم لشيء ثبت لقرينه ، ولا يبعد أن قائله يحرم الخطبة والمذهب أنه لا يثبت الحكم للقرين إلا بأن يساويه في اللفظ أو يشاركه في العلة .

وقد بينا مفارقة الخطبة للعقد وهكذا إذا قرن بينهما في اللفظ ثم ثبت لأحدهما حكم بالإجماع ، لم يثبت أيضا للآخر ذلك الحكم إلا بدليل يدل على التسوية ، كاستدلال المخالف بأنه لا يجب غسل النجاسة بالماء ، بل يجوز بالخل ونحوه بقوله : { حتيه ثم اقرصيه بالماء } فقرن بين الحت والقرص والغسل بالماء ، وأجمعنا على أن الحت والقرص لا يجبان ، فكذلك الغسل بالماء وقال بعضهم : يقوي القول به إذا وقعت حادثة لا نص فيها ، كان ردها إلى ما قرن معها من الأعيان في بعض الأحوال أولى من ردها إلى غير شيء أصلا هذا ما يمكن خروجه على أصل أصحابنا ، وأما الحنفية فقالوا : إذا عطف جملة على جملة ، فإن كانتا تامتين كانت المشاركة في أصل الحكم لا في جميع صفاته ، وقد لا يقتضي مشاركة أصلا وهي التي تسمى " واو الاستئناف " ، كقوله تعالى : { فإن يشأ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل } فإن قوله : { ويمح الله الباطل } جملة مستأنفة لا تعلق لها بما قبلها ، ولا هي داخلة في جواب الشرط ، وإن كانت [ ص: 113 ] الثانية ناقصة شاركت الأولى في جميع ما هي عليه فإذا قال : هذه طالق ثلاثا وهذه ، طلقت الثانية ثلاثا ، بخلاف ما إذا قال : وهذه طالق ، لا تطلق إلا واحدة ، لاستقلال الجملة بتمامها وعلى هذا بنوا بحثهم المشهور في قوله صلى الله عليه وسلم : { لا يقتل مؤمن بكافر } وسبق في باب العموم .

وقد التزم ابن الحاجب ، في أثناء كلام له في " مختصره " : أن قول القائل : ضرب زيدا يوم الجمعة وعمرا ، يتقيد بيوم الجمعة أيضا وهي تقتضي أن عطف الجملة الناقصة عنده على الكاملة يقتضي مشاركتها في أصل الحكم وتفاصيله ، وحكي ذلك عن ابن عصفور من النحويين وأما أصحابنا فكلامهم مختلف ، فقالوا : إذا قال : إن دخلت الدار فأنت طالق وفلانة ، أن الثانية تتقيد أيضا بالشرط وكذا لو قدم الجزاء ، وقالوا فيما إذا قال لفلان : علي ألف ودرهم : إنه لا يكون الدرهم مفسرا للألف ، بل له تفسيرها بما شاء وهو مذهب ولو قال : أنت طالق وهذه ، وأشار إلى أخرى ، فهل تطلق أو تفتقر إلى النية ؟ وجهان ولو قال : كل امرأة أتزوجها فهي طالق وأنت يا أم أولادي فقال العبادي : لا تطلق .

فرع : حجة الإسلام من رأس المال ، وتصح الوصية بها من الثلث فلو قرنها بأشياء تخرج من الثلث ، كصدقة التطوع وسقي الماء ، فقال ابن أبي هريرة : تعتبر من الثلث ، لأن الاقتران قرينة تفيد أنه قصد كونه من الثلث والمذهب خلافه ، لأن اقتران الشيئين في اللفظ لا يوجب اقترانهما في الحكم .

التالي السابق


الخدمات العلمية