صفحة جزء
[ ص: 267 ] فصل في وظيفة المجتهد إذا عرضت له واقعة اعلم أنه حق على المجتهد أن يطلب لنفسه أقوى الحجج عند الله ما وجد إلى ذلك سبيلا ، لأن الحجة كلما قويت أمن على نفسه من الزلل . وما أحسن قول الشافعي في " الأم " : " وإنما يؤخذ العلم من أعلى " وقال فيما حكاه عنه الغزالي في " المنخول " : إذا وقعت الواقعة فيه فليعرضها على نصوص الكتاب ، فإن أعوزه فعلى الخبر المتواتر ثم الآحاد ، فإن أعوزه لم يخض في القياس ، بل يلتفت إلى ظواهر الكتاب ، فإن وجد ظاهرا نظر في المخصصات من قياس وخبر ، فإن لم يجد مخصصا حكم به ، وإن لم يعثر على ظاهر من كتاب ولا سنة نظر إلى المذاهب ، فإن وجدها مجمعا عليها اتبع الإجماع ، وإن لم يجد إجماعا خاض في القياس . ويلاحظ القواعد الكلية أولا ، ويقدمها على الجزئيات ، كما في القتل بالمثقل ، فيقدم قاعدة الردع على مراعاة الألم ، فإن عدم قاعدة كلية نظر في النصوص ومواقع الإجماع ، فإن وجدها في معنى واحد ألحق به ، وإلا انحدر إلى قياس مخيل ، فإن أعوزه تمسك بالشبه ولا يعول على طرد . قال الغزالي : هذا تدريج النظر على ما قاله الشافعي ، ولقد أخر الإجماع عن ذلك الأخبار ، وذلك تأخير مرتبة لا تأخير عمل ، إذ العمل به مقدم ولكن العمل به مقدم في المرتبة ، فإنه مستند قبول الإجماع . وخالف بعضهم وقال : الصحيح أن نظره في الإجماع يكون أولا ، إذ النصوص يحتمل أن تكون منسوخة ، ولا كذلك الإجماع ، وإنما قدم الشافعي النص على الظاهر تنبيها على أنه يطلب من كل شيء ما هو .

[ ص: 268 ] الأشرف ، فأول ما يطلب من الكتاب والسنة النص ، فإن لم يجد فالظاهر ، فإن لم يجد ذلك في منطوقها ولا مفهومها رجع إلى أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم في تقريره بعض أمته ، فإن لم يجد نظر في الإجماع ، ثم في القياس إن لم يجد الإجماع . وسكت الشافعي عما بعد ذلك ، ولا شك أن آخر المراتب إذا لم يجد شيئا الحكم بالبراءة الأصلية ، وقد ذكر القاضي في " التقريب " ذلك كله . وقال في " المستصفى " : يجب أن يرد نظره في كل مسألة وفي النفي الأصلي قبل ورود السمع ، ثم يبحث عن الأدلة السمعية المعتبرة ، فينظر في الإجماع ، فإن وجده وإلا ففي الكتاب والسنة المتواترين ، وهما في مرتبة واحدة لإفادة القطع ، فإن وجد أخذ به وإلا نظر بعد في عموماتها وظواهرها ، فإن وجد وإلا نظر في مخصصات العموم من أخبار الآحاد والأقيسة ، فإن عارض القياس عموما ، أو خبر واحد عموما وعدم الترجيح توقف على رأي ، وتخير على رأي ، وإن تعارض دليلان نظر في النسخ والترجيح ، فإن عدمهما جاء الخلاف في التخيير والوقف . فإن عدم ، بناه على حكم الأصل في العقل ، وهو نفي الحكم على ما هو المختار . .

التالي السابق


الخدمات العلمية