صفحة جزء
[ ص: 270 ] فصل قال الماوردي الاجتهاد بعد النبي صلى الله عليه وسلم تنقسم طرقه إلى ثمانية أقسام : أحدها - ما كان الاجتهاد مستخرجا من معنى النص : كاستخراج علة الربا من البر ، فهذا صحيح عند القائلين بالقياس . ثانيها - ما استخرجه من شبه النص : كالعبد في ثبوت ملكه ، لتردد شبهه بالحر في أنه يملك لأنه مكلف ، وشبهه بالبهيمة في أنه لا يملك لأنه مملوك ، فهو صحيح غير مدفوع عند القائلين بالقياس والمنكرين له ، غير أن المنكرين له جعلوه داخلا في عموم أحد الشبهين .

ومن قال بالقياس جعله ملحقا بأحد الشبهين . ثالثها - ما كان مستخرجا من عموم النص : كالذي بيده عقدة النكاح في قوله تعالى : { أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } يعم الأب والزوج والمراد به أحدهما . وهذا صحيح يتوصل إليه بالترجيح . رابعها - ما استخرج من إجمال النص : كقوله تعالى في المتعة : { ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المعسر قدره } فيصح الاجتهاد في قدر المتعة باعتبار حال الزوجين . خامسها - ما استخرج من أحوال النص : كقوله تعالى في المتمتع { فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم } فاحتمل صيام الثلاثة قبل عرفة ، واحتمل صيام السبعة إذا رجع في طريقه ، وإذا رجع إلى بلده ، فصح الاجتهاد في تغليب إحدى الحالتين على الأخرى . سادسها - ما استخرج من دلائل النص : كقوله تعالى : { لينفق ذو سعة من سعته } فاستدللنا على تقدير نفقة الموسر ، فإنه [ ص: 271 ] أكثر ما جاءت به السنة في فدية الأذى ، في أن لكل مسكين مدين فاستدللنا على تقدير نفقة المعسر بمد فإنه أقل ما جاءت به السنة في كفارة الوطء أن لكل مسكين مدا سابعها - ما استخرج من أمارات النص : كاستخراج دلائل القبلة لمن خفيت عليه ، مع قوله تعالى : { وعلامات وبالنجم هم يهتدون } مع الاجتهاد في القبلة بالأمارات والدلالة عليها من هبوط الرياح ومطالع النجوم . ثامنها - ما استخرج من غير نص ولا أصل قال : واختلف أصحابنا في صحة الاجتهاد بغلبة الظن على وجهين : ( أحدهما ) : لا يصح حتى يقترن بأصل ، فإنه لا يجوز أن يرجع في الشرع إلى غير أصل ، وهو ظاهر مذهب الشافعي . ولهذا كان ينكر القول بالاستحسان ، لأنه تغليب ظن بغير أصل . و ( الثاني ) : يصح الاجتهاد به ، لأنه في الشرع أصل ، فجاز أن يستغنى عن أصل . وقد اجتهد العلماء في التقدير على ما دون الحد بآرائهم في أصله من ضرب وحبس . وفي تقديره بعشر جلدات في حال ، وبعشرين في حال . وليس لهم في هذه المقادير أصل مشروع . والفرق أن الاجتهاد بغلبة الظن يستعمل مع عدم القياس . .

التالي السابق


الخدمات العلمية