صفحة جزء
مسألة إذا اجتهد مجتهد في حكم واقعة ، وبلغ إلى حكمها ، ثم تكررت تلك الواقعة ، وتجدد ما يقتضي الرجوع ، ولم يكن ذاكرا للدليل الأول ، وجب تجديد الاجتهاد ، وكذا إن لم يتجدد ، لا إن كان ذاكرا على المختار .

[ ص: 355 ] وقيل : يلزمه تجديد النظر ، لعله يظفر بخطأ أو زيادة لمقتض . ذكر بعض هذا التفصيل الإمام الرازي وأتباعه ، وفصل أبو الخطاب من الحنابلة ، بين ما دل عليه دليل قاطع ، فلا يحتاج إلى إعادته ، وأما ابن السمعاني ، فأطلق حكاية وجهين ، واختار أنه لا يلزمه تكرير الاجتهاد ، وأطلق الرافعي أيضا ، حكاية وجهين ، وقال النووي : أصحهما لزوم الاجتهاد ، قال : وهذا إذا لم يكن ذاكرا للدليل الأول ، ولم يتجدد ما قد يوجب رجوعه ، فإن كان ذاكرا لم يلزمه قطعا ، وإن تجدد ما قد يوجب الرجوع لزمه قطعا . وقال القاضي شريح الروياني في كتابه روضة الحكام " : إذا اجتهد لنازلة ، فحكم أو لم يحكم ، ثم حدثت تلك النازلة ثانيا ، فهل يستأنف الاجتهاد ؟ وجهان : والصحيح : إن كان الزمان قريبا لا يختلف في مثله الاجتهاد لا يستأنف الاجتهاد ، وإن تطاول الزمان استأنف . انتهى . وهكذا العامي ، يستفتي ثم تقع له الواقعة هل يعيد السؤال ؟ فيه هذا الخلاف . وقال الروياني في البحر " والخوارزمي في الكافي " والرافعي وغيره : ينظر ، إن علم أنه أفتاه عن نص كتاب أو سنة ، أو إجماع أو كان قد تبحر في مذهب واحد من أئمة السلف ، ولم يبلغ رتبة الاجتهاد ، فأفتاه عن نص صاحب المذهب ، فله أن يعمل بالفتوى الأولى ، وكذا لو كان المقلد ميتا ، وجوزناه ، وإن علم أنه أفتاه عن اجتهاد أو شك فلا يدري ، والمقلد حي ، فوجهان : ( أحدهما ) : أنه لا يحتاج إلى السؤال ثانيا لأن الظاهر استمراره على الجواب الأول .

[ ص: 356 ] وأصحهما : قال الرافعي : واختاره القفال ، أنه يجب عليه تجديد السؤال ثانيا ، لأنه ربما يتغير اجتهاده ، فعلى هذا يعمل بالفتوى الثانية ، سواء وافقت الأولى أم لا ، قال في البحر " : وهما كالوجهين فيمن صلى الظهر إلى جهة الاجتهاد ، ثم صلى العصر ، هل يعمل على اجتهاده الأول ؟ وجهان ، قال : وهذا عندي إذا مضت مدة الفتوى الأولى يجوز لغير الاجتهاد فيها غالبا ، فإن قرب ، لم يلزم الاستفتاء ثانيا . قال النووي : محل الخلاف فيما إذا لم يكثر وقوع هذه المسألة ، فإن كثر لم يجب على العامي تجديد السؤال قطعا ، وحكى في المنخول " وجهين في وجوب المراجعة ، ثم اختار التفصيل ، بين أن تبعد المسافة بينهما ، أو تكرر الواقعة في كل يوم ، كالطهارة والصلاة ، فلا يراجع قطعا ، وأطلق القاضي أبو الطيب في تعليقه " القول بوجوب المراجعة على المقلد عند التكرار ، وكلامه يقتضي تخصيص ذلك بما إذا كانت المسألة مجتهدا فيها ، أما لو كان المفتي حين أفتاه قال له ذلك عن نص فلا يحتاج إلى الإعادة ، وجعل الهندي في النهاية " فيما إذا كان العامي ذاكرا للحكم ، وإلا وجب عليه الاستفتاء ثانيا قطعيا ، وخص ابن الصلاح الخلاف بما إذا قلد حيا ، وقطع فيما إذا كان خبرا عن ميت أنه لا يلزم العامي تجديد السؤال . .

التالي السابق


الخدمات العلمية