صفحة جزء
مسألة وإنما يسأل من عرف علمه وعدالته ، بأن يراه منتصبا لذلك ، والناس متفقون على سؤاله والرجوع إليه . ولا يجوز لمن عرف بضد ذلك ، إجماعا . والحق منع ذلك ممن جهل حاله ، خلافا لقوم . لأنه لا يؤمن كونه جاهلا أو فاسقا ، كروايته ، بل أولى ، لأن الأصل في الناس العدالة ، [ ص: 363 ] فخبر المجهول يغلب على الظن عند القائل به . وليس الأصل في الناس العلم . وممن حكى الخلاف في استفتاء المجهول الغزالي والآمدي وابن الحاجب . ونقل في " المحصول " الاتفاق على المنع ، فحصل طريقان . وإذا لم يعرف علمه بحث عن حاله . ثم شرط القاضي في " التقريب " إخبار من يوجب خبره العلم بكونه عالما في الجملة ، ولا يكفي خبر الواحد والاثنين . وخالفه غيره .

واكتفى في " المنخول " في ( العدالة ) خبر عدلين ، وفي ( العلم ) بقوله : إني مفت ، قال : واشتراط تواتر الخبر بكونه مجتهدا - كما قاله الأستاذ - غير سديد ، لأن التواتر يعتمد في المحسوسات ، وهذا ليس منه . وقال القاضي : يكفيه أن يخبره عدلان بأنه مفت . انتهى . وشرط القاضي وغيره من المحققين امتحانه ، بأن يلفق مسائل متفرقة ويراجعه فيها ، فإن أصاب فيها غلب على ظنه كونه مجتهدا وقلده وإلا تركه . وذهب بعض أئمتنا إلى أنه لا يجب ، وتكفي الاستفاضة من الناس . وهو الراجح في ، الروضة " ونقله عن الأصحاب . وقيل : ليس له اعتماد قول المفتي : أنه أهل للفتوى والمختار في " الغياثي " اعتماده بشرط أن يظهر ورعه ، كما يحصل باستفاضة الخبر عنه ، وسبق مثله عن الغزالي . وقال ابن برهان في " الوجيز " : قيل : يقول له : أمجتهد . أنت فأقلدك ؟ فإن أجابه قلده . وهذا أصح المذاهب . وإذا لم يعرف ( العدالة ) فللغزالي احتمالان . قال الرافعي : وأشبههما الاكتفاء ؟ فإن الغالب من حال العلماء العدالة بخلاف البحث عن العلم ، فليس الغالب في الناس العلم . ثم ذكر احتمالين في أنه إذا وجب البحث فيفتقر إلى عدد التواتر ، أم يكفي إخبار عدل أو عدلين ؟ قال : وأقربهما : الثاني . قلت : وجزم الشيخ أبو إسحاق بأنه يكفيه خبر العدل الواحد عن فقهه وأمانته ، لأن طريقه طريق الإخبار .

قال النووي : والاحتمالان في مجهول العدالة هما في المستور ، وهو الذي ظاهره العدالة ولم يختبر باطنه ، وهما [ ص: 364 ] وجهان ذكرهما غيره وأصحهما الاكتفاء لأن العدالة الباطنة تعسر معرفتها على غير القضاة ، فيعسر على العوام تكليفهم . وأما الاحتمالان المذكوران ثانيا فهما محتملان لكن المنقول خلافهما . والذي قال الأصحاب أنه يجوز استفتاء من استفاضت أهليته ، وقيل : لا تكفي الاستفاضة ولا يعتمد قوله : أنا أهل للفتوى . ويجوز استفتاء من أخبر ثابت الأهلية بأهليته . قال ابن القطان في كتابه " الأصول " : من أسلم وهو قريب العهد فلقيه رجل من المسلمين على ظاهر الإسلام ، فأخبره بشيء . فاختلفوا فيه : فقال أبو بكر في كتابه : يجب عليه قبول ما أخبر به ولا يعتبر فيه شرائط المفتي السابقة ، وإنما تجب تلك الشرائط فينا ، لأنه لا يشق علينا الاعتبار فيها ، فأما المسلم الآن فيشق عليه هذا . وقال ابن أبي هريرة : ينظر : فإن كان شيئا وقته موسع فينبغي أن يتوقف حتى يستعلم ذلك من خلق ، ولا يبادر حتى يعلم حال من أفتاه ويتابع عليه .

وإن كان شيئا وقته مضيق فعلى وجهين : ( أحدهما ) يقبل قوله ، كقول أبي علي . و ( الثاني ) يتوقف في ذلك ، كما يتوقف الحاكم في العدول وغيرها . .

التالي السابق


الخدمات العلمية