صفحة جزء
مسألة [ سنة العين وسنة الكفاية ] وكما ينقسم الفرض إلى عين وكفاية فكذلك السنة . وسنة الكفاية أن يقع الامتثال لأمر الاستحباب بفعل البعض ، وينقطع دلالة النص على الاستحباب فيما زاد على ذلك ولا يبقى متسحبا بل داخلا في حيز المباح أو غيره ، بخلاف سنة العين فإنها بفعل البعض الاستحباب موجود في حق الباقين ، كذا قاله الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد في " شرح الإلمام " ومثال سنة العين الوتر ، وصيام الأيام الفاضلة ، وصلاة العيدين ، ومثال سنة الكفاية الأذان والإقامة والتسليم والتشميت ، وكذا الأضحية كما ذكره النووي عن الأصحاب وعليه يحمل نص الشافعي : إذا ضحى الرجل في بيته ، فقد وقع اسم الأضحية ، وكذلك التسمية عند الأكل حكاه في الروضة عن نص الشافعي ، وفي حديث الأعرابي ما يقتضيه ، وكذا ما يفعل بالميت مما يندب إليه . [ ص: 389 ] قال ابن دقيق العيد : ويفارق فرض الكفاية سنة الكفاية في أن فرض الكفاية لا ينافيه الاستحباب في حق من زاد على القدر الذي سقط به الفرض ، والسنة على الكفاية ينافيها الاستحباب فيما زاد من ذلك الوجه الذي اقتضى الاستحباب ، وهنا فائدتان : إحداهما : [ المشهور وقوع سنة الكفاية ] . المشهور وقوع سنة الكفاية ، وخالف في ذلك الشاشي ، وقال في كتابه " المعتمد " في صلاة الجمعة ما نصه : لم نر في أصول الشرع سنة على الكفاية بحال ، والسنن معلومة ويخالف الفرض حيث انقسم إلى عين وكفاية ، فإن في الكفاية فائدة ، وهي السقوط بفعل البعض على الباقين ، والسنة لا يظهر لها أثر في كونها على الكفاية ; لأنها لا إثم في تركها فتسقط كمن ترك بفعل من فعل ، وإنما هي ثواب يحصل له بالسلام مثلا ، ولا يجوز أن يحصل له ثواب بفعل غيره من غير فعل يوجد من جهة تساويه .

ألا ترى أنه إذا دخل المسجد جماعة سن لهم تحية بالمسجد ، ولا تسقط سنة التحية في حق بعضهم بفعل البعض ؟ وهذا لأن فرض الكفاية موجه على الجماعة احتياطا ; ليحصل ذلك الفرض ، فإذا فعل بعضهم فقد حصل المقصود وسقط عن الباقين ، والسنة إنما أمر بها استحبابا لحظ المأمور في تحصيل الثواب له ، فلا يحصل له ثواب بما لا كسب له فيه . ا هـ . الثانية [ سنة الكفاية أهم من سنة العين ] قد سبق أن القيام بفرض الكفاية أهم من فرض العين من جهة إسقاط الحرج عن الكل ، فينبغي على هذا أن يقال بمثله هنا في سنة العين والكفاية ، لكن لا حرج هنا فليكن أفضلية سنة الكفاية من جهة تحصيله الثواب للجميع ، وفيه بعد كما تقدم ، لأنه لم يفعله ، وقد نقل النووي في كتاب [ ص: 390 ] الأضحية أنه لو اشترك غيره في ثواب أضحيته وذبح عن نفسه جاز ، وعليه يحمل { تضحية النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين ، وقوله : اللهم صل على محمد وآل محمد } .

التالي السابق


الخدمات العلمية