صفحة جزء
[ الشرط ] السابع [ علم المخاطب بكونه مأمورا ] أن يعلم المخاطب كونه مأمورا قبل زمن الامتثال حتى يتصور منه قصد الامتثال ، وإن لم يعلم وجود شرطه ، وتمكنه في الوقت . [ ص: 85 ]

قال إلكيا الطبري : أجمع أصحابنا على اشتراطه ، وقال أبو هاشم : لا نعلمه متمسكا بأن الإمكان شرط لتحقق الأمر ، والجهل بالشرط محقق ، وذلك يقتضي الجهل بالشروط ، نعم . أجمع من قبلنا على إطلاق ورود الأمر بناء على تقدير بقاء أكثرهم ، وظهور ذلك عندهم .

قال : وما ذكره أبو هاشم لا دافع له إلا أصل لأصحاب الأشعري في النسخ . ومذهبه فيه : أن الحكم ثبت قطعا ، ثم رفع بعد ثبوته بالنسخ .

فقال : ثانيا عليه إذا توجه أمر على المخاطب فقط تنجز الأمر ، ثم إذا زال إمكانه فلا ريب في الأمر ، وإنما الأمر في الشرط القضاء لا في شرط أصل الأمر .

وهذا في غاية البعد ، فإن الأمر ليس هو اللفظ ولكن الأمر ، الطلب وذلك يستدعي شرطه الإمكان إلا أن ينكر كون الإمكان شرطا ، ولا يتحقق الخلاف إلا به ، وأبو هاشم لا ينكر وجوب الإقدام عليه ، ونية الوجود والتردد لا يدفع ذلك ، وما ذكرناه لا ينكر ، فالخلاف يرجع إلى اللفظ . ا هـ .

وأما القاضي ففرض الخلاف في الصحة فقال : أجمعت الأمة على أن الأمر إذا اتصل بالمكلف ولا مانع يمنعه من الامتثال فيعلم أنه مأمور بالأمر الوارد عليه ، ولكن يعتقد كونه مأمورا في الثاني والثالث من الأوقات المستقبلة بشرط أن يبقى على صفة التكليف ، فنستيقن الحال توجه الأمر عليه ، وأما في الاستقبال فإن بقي دام على الوجوب ، وإن مات انقطع عنه .

وقالت القدرية : لا يصح علمه بتوجه الأمر عليه إلا بعد الإقدام على الامتثال ، أو بعد مضي زمن يسعه مع تركه ، فقالوا : لا يصح أن يعلم كونه مأمورا قطعا . وأما نحن فإنا نقول : يقطع بذلك ويؤول توقعه في استدامة الوجوب إلى توقع الاحترام والبقاء . [ ص: 86 ]

وقال ابن برهان في الأوسط " : الواحد منا يعلم كونه مأمورا على الحقيقة هذا مذهب كافة الأصوليين والفقهاء ، ونقل عن أبي هاشم أنه قد لا يعلم ذلك وهو ينبني على تكليف العاجز هل يجوز أم لا ؟ فعندنا أنه جائز ، وعندهم لا يجوز ، وأبو هاشم بناه على هذا الأصل ، فإن سلم له ، فالحق ما قاله وإن أبطل بطل مذهبه .

واستدل القاضي بأن الواحد منا يجب عليه الشروع في العبادة المأمور بها والتقرب بها بالإجماع ، وهو يدل على علمه بكونه مأمورا بها ، وإلا لما وجب عليه .

وشبهة أبي هاشم : أن الاستطاعة مع الأمر ، وهي غير معلومة لنا فلا يكون المأمور عالما ا هـ .

وأما أبو نصر بن القشيري ، فقال : الأصح عندنا أنه لا يشترط في المكتسب .

علم المكتسب به خلافا لبعض الأصحاب ، وإنما الشرط كون المقدور مما يصح العلم به .

قال : واختلفوا متى يصح علم المكلف بأنه مأمور بالفعل ؟ فقال أصحابنا : إذا اتصل الخطاب به ، ولا مانع من الامتثال علم أنه مأمور بالأمر الوارد عليه ، فيقطع به لكن يفتقر كونه مأمورا إلى الثاني والثالث من الأوقات بشرط وفاء شرائط التكليف .

وقالت المعتزلة : لا يعلم ذلك في أول وقت توجه الخطأ عليه ما لم يمض زمن الإمكان حتى لو اشتغل بالامتثال في الحال لم يعرف الوجوب أيضا ما لم يمض زمن يتصور فيه الامتثال ، وعمدتهم أنه غير عالم ببقاء الإمكان له إلى انقراض زمان يمتنع الفعل المأمور به والإمكان شرط التكليف ، [ ص: 87 ] والجاهل بوقوع الشرط جاهل بوقوع المشروط لا محالة ، وتمسك القاضي بإجماع المسلمين على توجه الأمر إلى المكلف ، والنهي عن المحرمات وقولهم : يفضي إلى أنه ليس يعلم أحد على بسيط الأرض أنه ينهى عن القتل والزنا ، وكما لا يعلم من نفسه لا يعلم غيره منه .

ومال الإمام إلى قول المعتزلة ، وقال : تشغيب القاضي بالإجماع تهويل بلا تحصيل ، فإن إطلاقات الشرع لا تعرض على مأخذ الحقائق بل تحمل على حكم العرف والتفاهم الظاهر كالإجماع على أن الخمر محرم ، وإنما المحرم تعاطيها .

تنبيهات [ التنبيه ] الأول

المراد بالعلم المختلف فيه : القطعي أي : أنه هل يقطع بكونه مكلفا قبل زمن الامتثال ؟ كما صرح به القاضي وإمام الحرمين وابن القشيري وابن برهان ، ونبه على أن أبا هاشم لا يخالف في الظن ، فإن الشروع في الفعل لا يشترط فيه القطع بل تكفي غلبة الظن مهما بادر واستمر في حياته إلى الفراغ . [ التنبيه ] الثاني

أن الخلاف فيما إذا كان الآمر عالما بأنه لا يبقى إلى وقت التمكن من الامتثال ، فإن كان يعلم بقاءه فلا خلاف أن المأمور يعلم ذلك أيضا [ ص: 88 ]

[ التنبيه ] الثالث .

أن الخلاف بالنسبة إلى الآحاد لا في حق الجنس ، فقد وافق أبو هاشم على أنهم مأمورون ، لأن الشرط وهو الاستطاعة معلوم هنا قطعا ، لعلمنا بأن الله تعالى لا يعم الكل بالهلاك كذا نقله ابن برهان .

وفرض الإمام الخلاف فيما إذا خص بالخطاب واحدا وكان مندرجا مع آخر تحت عموم الخطاب ، وهو في حالة اتصال الخطاب به مستجمع شرائط التكليف . ولم يقف الصفي الهندي على ما ذكرنا ، فقال بعد ذكر الخلاف : هذا إذا كان الأمر خاصا ، فإن كان عاما ولم يعلم انقراض الجميع بل بعضهم فأظن أنه لا خلاف فيه ، إذ أكثر أوامر الله كذلك ، فإن بعض المكلفين يموت قبل التمكن ، وكلام بعضهم يشعر بخلاف فيه أيضا . انتهى .

مسألة [ هل يشترط في التكليف علم المكلف ]

قيل : لا يشترط في التكليف علم المكلف بل يشترط تمكنه من العلم . وحكى بعضهم في حكم الخطاب هل يثبت في حق المكلف قبل أن يبلغه ثلاثة أقوال : ثالثها : يثبت المبتدأ دون الناسخ ، قال : والمرجع أنه لا يثبت إلا بعد البلاغ ، لقوله تعالى : { لأنذركم به ومن بلغ } ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، الصحابة باستدراك ما فعلوه على خلاف الأمر حيث جهلوه كما لم يأمر المشمت العاطس في الصلاة والمصلي إلى قبلة بيت المقدس وغيره .

[ ص: 89 ] الرابع من التنبيهات

سبق عن إلكيا أن الخلاف لفظي ، فإن أبا هاشم لا يمنع الإقدام لكن أبا هاشم بناه على مأخذ له كلامي ، وهو أن الأمر تلازمه الإرادة ، فإن كان يعلم انتقاء الشرط لم يتصور أن يكون مريدا للفعل المعلق طلبه على شرط ، ونحن نخالفهم في الأصل ، فلهذا خالفناه في الفرع .

وحاصل الخلاف : يرجع إلى أن التمكن من الامتثال هل هو شرط في توجه الخطاب أو شرط في إيقاع الفعل المكلف به وحصوله ؟ فهم يقولون : إن المكلف إذا دخل عليه رمضان أو وقت الصلاة فإنه يجب عليه الشروع في العبادة لا على أنه يقطع بأنه يكون متمكنا منه ، فإن القطع بذلك يقتضي القطع ببقائه بكونه وهو متعذر لإمكان الموت بل بناء على الظن الغالب ، فإن الأصل بقاء الحياة واستمرار القدرة ، فلو مات قبل إتمام العبادة تبين أنها لم تكن واجبة عليه ، وأما على رأينا فإنه يدل على عدم الأمر بل يدل على عدم لزوم الإتمام .

التالي السابق


الخدمات العلمية