صفحة جزء
[ التنبيه ] الثاني

[ هل يخاطب الكافر بالفروع ]

زعم الشيخان أبو حامد الإسفراييني في كتابه وأبو إسحاق في " شرح اللمع " ، وإمام الحرمين في باب السير من " النهاية " ، ووالده الشيخ أبو محمد في " الفروق " ، وأبو الحسين في " المعتمد " ، والقاضي عبد الوهاب في " الملخص " ، والإمام في " المحصول " ، وغيرهم : هل الخلاف إنما يظهر في استحقاق العقاب لأجل إخلاله بالشرعيات أم لا ؟ للاتفاق على أنه لا يلزم الفعل حال الكفر على أن يكون قضاء منه لكفره ، وعلى أنه لا يلزم القضاء إذا أسلم ، وحكاه صاحب " المصادر " أيضا عن الشريف المرتضى ، فقال : فائدة الخلاف : أن من قال . بالخطاب قال : يستحقون الذم منا والعقاب منه تعالى على الإخلال بها ، كما يستحقون ذلك بالإخلال بالإيمان ، ومن قال : ليسوا مخاطبين فإنهم لا يستحقون ذلك على [ ص: 136 ] الإخلال بالعبادات بل على الكفر وترك الإيمان لا غير .

وقال القرافي : له فوائد : منها : تيسير الإسلام ، فإنه إذا علم أنه مخاطب وهو خير النفس بفعل الخيرات كان ذلك سببا في تيسير إسلامه .

ومنها : الترغيب في الإسلام وغير ذلك .

وقد قال أبو الفضل بن عبدان من أصحابنا في كتاب " شرائط الأحكام " : إن عدم وجوب الصلاة وغيرها من العبادات على الكافر مفرع على القول بأنهم غير مخاطبين .

قال : فإن قلنا بالصحيح إنهم مخاطبون فليس الإسلام من شروط وجوب الصلاة بل تجب الصلاة على الكافر كلما دخل الوقت .

فإن قيل : كيف تجب عليه وهي لا تصح منه ؟ قلنا : كالمحدث لا تصح منه ومع ذلك تجب عليه بشريطة الوضوء ، فيقال له : أسلم وصل ، يقال للمحدث : توضأ وصل .

وقال القاضي أبو القاسم بن كج في " التجريد " والماوردي في باب قسم الصدقات : اختلف أصحابنا في المشركين هل هم مخاطبون بالزكاة وإن لم تؤخذ منهم ؟ على وجهين . بناء على اختلاف أصحابنا هل خوطبوا مع الإيمان بالعبادات ؟ فذهب أكثر أصحابنا إلى ذلك لمخاطبتهم بالإيمان وأنهم يعاقبون على تركه .

وقال آخرون وهو قول العراقيين : إنهم في حال الكفر إنما خوطبوا [ ص: 137 ] بالإيمان وحده ولم يتوجه إليهم الخطاب بالعبادات إلا بعد الإيمان . ا هـ .

وقال القاضي الحسين في تعليقه " في كتاب الزكاة : الإسلام شرط في وجوب الإخراج لا في وجوب الزكاة ، لأن الكفار مخاطبون بالشرائع ، فأما الإخراج فلا يجب عليهم إلا المرتد في أحد القولين هذا كلامه وبه يجتمع كلام الأصوليين والفقهاء أيضا .

وبنى القفال عليه فيما حكاه القاضي الحسين في " الأسرار " إذا غنم الكفار أموال المسلمين لا يملكونها عندنا خلافا لأبي حنيفة .

قال القاضي : قلت : لو كانوا مخاطبين لما سقط الضمان عنهم ، فقال القفال : الضمان واجب غير أنه سقط بالإسلام لئلا يرغبوا عنه خيفة انتزاع ما ملكوه من أيديهم . وبنى عليه القاضي الحسين إحباط العمل بالردة كما سبق . وبنى عليه المتولي حرمة التصرف في الخمر عليهم . قال : وعندنا أن التصرف في الخمر حرام عليهم . خلافا لأبي حنيفة .

وبنى عليه القاضي مجلي في " الذخائر " أنه إذا أسلم هل يصلي على قبر من مات من المسلمين في كفره ؟ إذا قلنا : لا يصلي عليه إلا من كان من أهل الفرض . وبنى عليه أيضا صحة النذر من الكافر ، وقضية البناء تصحيحه ، لكن الأصح : المنع ، لأنه قربة . وتقدم عن الأستاذ أبي إسحاق أن إيجاب الضمان على الحربي إذا أسلم مفرع على خطابهم .

ومنها : لو مر الكافر بالميقات وهو مريد النسك فجاوزه ، ثم أسلم وأحرم ولم يعد إليه ، فعليه دم مع أنه حالة مروره لم يكن مكلفا عندهم بمعنى أنه يلزمه ذلك ، وقال أبو حنيفة والمزني : لا دم عليه جريا على هذا الأصل . [ ص: 138 ]

ومنها : لو قهر حربي حربيا ملكه ، ويخالف المسلم إذا قهر حربيا ، فإنه لا يجري على من قهره الرق حتى يرقه الإمام أو نائبه ، لأن للإمام اجتهادا في أسارى الكفار ، والمسلم مأمور برعايته ، والحربي لا يؤاخذ بمثل ذلك .

إذا عرف هذا فلو قهر الحربي أباه الحربي أو ابنه فهل يعتق عليه . بمجرد ذلك كما لو ملك المسلم فرعه أو أصله أو لا ؟ بل يجوز له بيعه لأنه غير مكلف وجهان . أشبههما في الرافعي وغيره : الأول .

ومنها : يحرم على المسلم نكاح الوثنية قطعا ، وهل تحل للذمي ؟ فيه وجهان في " الكفاية " لابن الرفعة ولعل مدركها هذا الأصل .

ومنها : تحريم نظر الذمية إلى المسلمة على الأصح .

ومنها : أن المضطر المسلم إذا لم يجد إلا ميتة آدمي فيه وجهان أصحهما : نعم ، لأن حرمة الحي أعظم . قال الدارمي : والخلاف في ميتة المسلم . أما الكافر فيحل قطعا انتهى .

ولو كان المضطر كافرا ووجد ميتة مسلم ففي حله وجهان . أقيسهما في زوائد الروضة : المنع .

ومنها : أن الكافر يمنع من مس المصحف . قاله النووي في باب نواقض الوضوء من " شرح المهذب " ، " والتحقيق " وقياسه : أنه لا يمكن من قراءته جنبا . وقال الماوردي : الكافر لا يمنع من تلاوة القرآن ويمنع من مس المصحف ذكره في باب نية الوضوء . وفيه نظر مع جزمه بجواز تعليمه ممن يرجى إسلامه . وظاهر إطلاقهم ذلك تمكينه من حمل المصحف واللوح اللذين يتعلم فيهما ، وقد يكون جنبا .

ومنها : إذا وجبت عليه كفارة فأداها حال كفره ، ثم أسلم لا تجب [ ص: 139 ] عليه الإعادة ، وهذا بخلاف ما لو اغتسل عن جنابته ، أو توضأ أو تيمم ثم أسلم ، فالمذهب الصحيح : وجوب الإعادة خلافا لأبي بكر الفارسي .

التالي السابق


الخدمات العلمية