صفحة جزء
[ ص: 301 ] تقسيم اللفظ المركب

وهو إما تام أو غير تام ، فأما التام فهو الذي يحسن السكوت عليه ، ويسمى كلاما . قال الزمخشري : وجملة ، والصواب : أن الجملة أعم من الكلام ، لأن شرط الكلام الإفادة بخلاف الجملة ، ولهذا يقولون : جملة الشرط جملة الجواب ، وهو ليس بمفيد ، فليس كلاما .

وقال : ابن دقيق العيد : شرط قوم من النحاة أن يكون مفيدا للسامع فائدة غير معلومة له . والصواب : حصول حقيقة الكلام بمجرد الإسناد الذي يصح السكوت عليه ، وإلا لزم أن تكون القضايا البديهية كلها ليست كلاما ، وهو باطل ، لوجوب انتهاء جميع الدلائل إليها وحكى ابن فارس عن بعضهم : أن المهمل يطلق عليه كلام ، وخطأه .

قال : وأهل اللغة لم يذكروه في أقسام الكلام .

وحكى بعض شراح اللمع " أن أبا إسحاق حكى في كتابه الإرشاد وجهين لأصحابنا في أن المهمل كلام أو لا ؟ قال : والأشبه أن يسمى كلاما مجازا ، ولا يتألف الكلام إلا من اسمين ، أو اسم وفعل ، إما ملفوظ به كقام زيد أو مقدر ك " يا زيد " ، فإن حرف النداء في تقدير الفعل ، وهو أدعو زيدا . واعترض على هذا بأنه لو كان كذلك لاحتمل التكذيب والتصديق ، وسنذكر جوابه . وزاد بعضهم تركيب الحروف مع ما هو في تقدير الاسم نحو ، أما [ ص: 302 ] أنك ذاهب بفتح " أن " ، وزعم ابن خروف أن هذا من باب يا زيد على مذهب أبي علي ، وهو مردود بأن " أن " وإن كان في تقدير مفرد ، فإن في الكلام مسندا ومسندا إليه ، وجوز القاضي أبو بكر وإمام الحرمين ائتلافه من فعل وحرف نحو قد قام ، وهو مردود بأن هذا إنما يفيد لتصور ضمير في الفعل الذي هو في " قام " ، فيكون المعنى قد قام فلان . واشترط القاضي أبو بكر فيه أن يكون من ناطق واحد ، فلو اصطلح اثنان على أن يذكر أحدهما فعلا أو مبتدأ ، والآخر فاعل ذلك الفعل أو خبر ذلك المبتدأ ، فليس بكلام ، وتبعه الغزالي في المستصفى في الكلام على تخصيص العام هل يغير صفته ؟ ورد ابن مالك ذلك ، وقال : المجموع كلام ، لاشتماله على حده ، ولا يشترط اتحاد الناطق كما لا يشترط اتحاد الكاتب في كون الخط خطا ثم اختلف المتكلمون فيه في مواضع :

أحدها : أنه هل يحد ؟ فمنعه بعضهم ، وقال إنما يبين بالتفصيل ، لأنه مركب من الأمر والنهي والخبر والاستخبار ، ولا عبارة تحيط بذلك إلا بتطويل يصان الحد عنه ، والجمهور على أنه يحد ، وللقاضي فيه قولان ، واستقر رأيه على أنه يحد كالعلم . ثم اختلفوا فقال الأشعري : ما أوجب لمحل كونه متكلما ، وقال الأستاذ أبو إسحاق : القول القائم بالنفس التي تدل عليه العبارات ، وزيف بأن الكلام هو القول فكيف يحد الشيء بنفسه ؟ وقوله : القائم بالنفس مجاز ، فإن القائم من صفات العقلاء ، ثم إن الدلالة لا تستقل بها الألفاظ ، بل لا بد معها من قرينة . [ ص: 303 ]

الثاني : اختلفوا وهل هو حقيقة في اللساني أو النفساني ؟ فيه ثلاثة أقوال تقدمت محكية عن الأشعري ، والأول قول المعتزلة ، والمختار الثاني . ويتخرج على ذلك مسألتان :

إحداهما : أن الكلام في الصلاة مطلقا مبطل ، فلو نظر المصلي في مكتوب غير قرآن وردد ما فيه في نفسه لم تبطل ، وقيل : تبطل إن طال ، حكاه ابن كج عن النص .

الثاني : إذا حلف لا يتكلم فتكلم في نفسه من غير أن يخاطب أحدا أو صلى وسلم في صلاته هل يحنث ؟ قال الخوارزمي في الكافي : يحتمل وجهين :

أحدهما : لا يحنث ويحمل على الكلام المتعارف بين الناس . قال : والأصح أنه يحنث ، لأنه كلام حقيقة . واعلم أنه لم يفرع أئمتنا على الكلام النفسي ولا اعتبروه بمجرده في إثبات العقود ولا في فسخها ، ولم يوقعوا الطلاق والعتاق بالنية ، وإن صمم عليها بقلبه لأن النية غير المنوي ، فلا يستلزم أحدهما الآخر ، ويمكن أن يستدل له بقوله صلى الله عليه وسلم : { إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تكلم أو تعمل } ووجه اختلاف قول الأصحاب فيما لو حرك لسانه بالطلاق ، ولم يرفع صوته بحيث يسمع السميع بنفسه ، أن تحريك اللسان نطق ، وإنما لم يثبتوا له حكم الكلام على أحد الوجهين كما لم يجعلوه قراءة إذا لم يسمع نفسه ولأن العقود المفتقرة إلى الإشهاد تفتقر إلى سماع الشاهد وطريق الصوت ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية