صفحة جزء
[ ص: 307 ] مبحث الاسم عين المسمى أو غيره ]

أحدهما : الكلام في أن الاسم هل هو المسمى أو غيره ؟ وقد كثر خبط الناس فيها ، وقولهم : إن الخلاف غير محقق ، وأنه لو كان الاسم هو المسمى لاحترق من نطق باسم النار ، ولو كان غيره للزم كذا وكذا ، وكل ذلك ناشئ عن عدم فهم المسألة .

فنقول : إذا سميت شيئا باسم ، فالنظر في ثلاثة أشياء : ذلك الاسم وهو اللفظ ومعناه قبل التسمية ، ومعناه بعدها ، وهو الذات التي أطلق عليها اللفظ ، والذات واللفظ متغايران قطعا ، والنحاة إنما يطلقون الاسم على اللفظ ، لأنهم إنما يتكلمون في الألفاظ ، وهو غير المسمى قطعا عند الفريقين ، والذات هو المسمى عند الفريقين ، وليس هو الاسم قطعا .

والخلاف في الأمر الثالث ، وهو معنى اللفظ قبل التلقيب ، فعلى قواعد المتكلمين يطلقون الاسم عليه ويختلفون في أنه الثالث أو لا فالخلاف عندهم حينئذ في الاسم المعنوي هل هو المسمى أم لا ؟ لا في الاسم اللفظي ، وأما النحاة فلا يطلقون الاسم على غير اللفظ ، لأنهم إنما يبحثون في الألفاظ ، والمتكلم لا ينازع في ذلك ، ولا يمنع هذا الإطلاق ، لأنه إطلاق اسم المدلول على الدال ، ويريد شيئا دعاه علم الكلام إلى تحقيقه في مسألة الأسماء والصفات ، وإطلاقهما على الباري تعالى .

مثاله : إذا قلت : عبد الله أنف الناقة ، فالنحاة يريدون باللقب لفظ : أنف الناقة ، والمتكلمون يريدون معناه ، وهو ما يفهم منه من مدح أو ذم [ ص: 308 ] وقول النحاة : إن اللقب - ويعنون به اللفظ يشعر بضعة أو رفعة - لا ينافيه ، لأن اللفظ مشعر لدلالته على المعنى ، والمعنى في الحقيقة هو المقتضي للضعة أو الرفعة ، وذات عبد الله يعني اللقب عند الفريقين ، فهذا تنقيح محل الخلاف ، وبه يظهر أن الخلاف خاص بأسماء الأعلام المشتقة لا في كل اسم ، والمقصود إنما هو المسألة المتعلقة بأصول الدين في الأسماء والصفات .

وقال بعض الأئمة : التحقيق أن الاسم هو المسمى من حيث المدلول ، وهو غير المسمى من حيث الدلالة ، فإن الدلالة تتغير وتتبدل وتتعدد ، والمدلول يتعدد ولا يتبدل .

وقال الشيخ بهاء الدين بن النحاس : قال شيخنا ابن عمرون : هذا الخلاف لفظي ، ثم قال : ولا حاجة لي إلى الخوض في ذلك ، بل أقول : بدل الاسم العبارة ، وبدل المسمى المعبر عنه ، وهذا لا نزاع فيه .

وقال الشيخ بهاء الدين : والذي يظهر أن هذا الخلاف الصحيح أن يحمل على اختلاف حالات فإنا إذا قلنا : ضربت زيدا أو أكرمت ، زيدا لا شك أن المراد هنا بزيد ليس هذه الحروف بل المسمى ، وإذا قلنا : كتبت زيدا ، أو محوت زيدا ليس المراد به إلا هذه الحروف لا المسمى ، فعرفنا أن الخلاف يرجع إلى اختلاف عبارات .

التالي السابق


الخدمات العلمية