صفحة جزء
[ ص: 311 ] مباحث الاشتقاق هو افتعال من الشق بمعنى الاقتطاع من انشقت العصا إذا تفرقت أجزاؤها ، فإن معنى المادة الواحدة تتوزع على ألفاظ كثيرة متقطعة منها ، أو من شققت الثوب والخشبة ، فيكون كل جزء منها مناسبا لصاحبه في المادة والصورة ، وهو يقع باعتبار حالين :

أحدهما : أن ترى لفظين اشتركا في الحروف الأصلية والمعنى ، وتريد أن تعلم أيهما أصل أو فرع .

والثانية : أن ترى لفظا قضت القواعد بأن مثله أصل ، وتريد أن تبني منه لفظا آخر ، والأولى تقع باعتبار عام غالبا ، والثانية باعتبار خاص ، إما بحسب الإحالة على الأولى أو بحسب ما يخصها ، فمن الأولى الكلام في المصدر والفعل أيهما أصل والآخر فرع ؟ ومن الثانية الكلام في كيفية بناء اسم فاعل من له الطلاق مثلا .

واعلم أن الأسماء المشتقة تفيد المعرفة بذات الشيء وصفته ، وأنشد ابن السمناني في ذلك للحسن بن هانئ :

وإن اسم حسنى لوجهها صفة ولا أرى ذا لغيرها اجتمعا     فهي إذا سميت فقد وصفت
فيجمع اللفظ معنيين معا

وقال الأئمة : الاشتقاق من أشرف علوم العربية وأدقها وعليه مدار علم [ ص: 312 ] التصريف في معرفة الأصلي والزائد والأسماء والأفعال لبنية يحتاج إلى معرفتها في الاشتقاق ، وتوقف عليه في النحو ، والكلام فيه في مواطن :

الأول : في ثبوته . وحكى ابن الخشاب فيه ثلاثة مذاهب :

أحدها : جوازه مطلقا فيشتق ما يمكن اشتقاقه وما يبعد أو يستحيل . قاله ابن درستويه . قلت : وكذلك أبو إسحاق الزجاج صنف كتابا ، وذكر فيه اشتقاق جميع الأشياء .

والثاني : منعه مطلقا ، وليس في الكلام مشتق من آخر ، بل الجميع موضوع بلفظ جديد ، وهو مذهب محمد بن إبراهيم المعروف بنفطويه .

قال : وكان ظاهريا في ذا ، وفي مذهبه ، وكان من أجلة أصحاب داود ، ووافقه أبو بكر بن مقسم المقري وهذان المذهبان طرفان .

والثالث : وهو الصحيح المشهور ، وعليه الحذاق من أهل علم اللسان كالخليل وسيبويه والأصمعي . [ ص: 313 ] وأبي عبيد وقطرب وغيرهم أن في الكلام مشتقا وغير مشتق ، وهو المرتجل .

قال ابن السراج : لو جمدت المصادر وارتفع الاشتقاق من كل كلام لم توجد صفة لموصوف ، ولا فعل لفاعل ، ولولا الاشتقاق لاحتيج في موضع الجزء من الكلمة إلى كلام كثير ، ألا ترى كيف تدل " التاء " في تضرب على معنى المخاطبة والاستقبال ، والياء في يضرب على معنى الغيبة والاستقبال ؟ وكذا باقي حروف المضارعة ، ولو جعل لكل معنى لفظ يتبين به من غير أصل يرجع إليه لانتشر الكلام وبعد الإفهام ونقصت القوة .

التالي السابق


الخدمات العلمية